رانيا مصطفى يكتب: المسكوت عنه في حرب غزة (3)
أصبحت إيران «الشيعية» الحاضنة ليهود أصفهان، والعقل المحرك ليهود الشرق، هي معقل الاشتراكية الثورية (الشيوعية) في المنطقة، والقائدة لمحور المقاومة الذي يعرف كتحالف عسكري سياسي غير رسمي مناهض لأمريكا وإسرائيل والسعودية، وهو مكون من إيران وفلسطين وسوريا وحزب الله اللبناني والميليشيات الموالية للنظام السوري والميليشيات الشيعية العراقية وحركة أنصار الله اليمنية (الحوثيون)، ويضاف لهذا التحالف كضيوف شرف كل من قطر، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي، وروسيا، والصين.
انبثقت عن الفكر الشيعي بإيران حركات صوفية أقرب إلى السنة منهم إلى الشيعة سيطرت على دول وسط آسيا وتركيا وشمال افريقيا؛ لا تصادم هذه الحركات العقيدة الإسلامية لكنها تقدم طرقا تبتعد بالمسلم عن عمق الأحكام الشرعية، وتزهد في الحكم.
أثر فكر الحركات الصوفية على الحركات الإسلامية عموما وخلقت بداخلها تيارا يريد أن يؤسس داخل جدران جماعته بناء جديدا يعتمد على التنازل عن الموروثات التقليدية، ويعتمد على التماهي مع المخالفين له سياسيا وعقديا.
ليواجه الرأسمالي الغربي الثورية الاشتراكية، فقد لجأ إلى دعم الحركات الصوفية وإمداد حكومات دولها بالمساعدات لتصبح قادرة على ردع الإسلام السياسي الراغب في السلطة، كما عمل على توظيف شيوخها إعلاميا، وترقيتهم إلى مناصب عليا، ولم ينس أن يصم علماء السنة بالتشدد والإرهاب.
يعتبر الخلاص من الإسلام السني هو النقطة الوحيدة التي يجتمع عليها صهاينة الشرق والغرب، اشتراكييهم ورأسمالييهم، فالشرقيون يريدونه اسلاما متشيعا، أو إلحادا، والغربيون يريدونه اسلاما صوفيا زاهدا أو إبراهيميا فارغ المحتوى.
نتج عن تقسيم سايكس بيكو عدد من الدول الخليجية الصغيرة، وقد قبلت دولتان رأسماليتان منهما أن تكونا قاعدتي تمركز وانطلاق للقوتين الماسونيتين الصهيونيتين الشرقية والغربية حماية لهما من أطماع دول عربية كبيرة ذات نفوذ؛ الأولى هي قطر التي تدعم الاشتراكية، والأخرى هي الامارات واجهة الرأسماليين في المنطقة، لذلك لا تهدأ الصراعات ولا الخلافات بين الدولتين.
تتأرجح سياسات حكومات العالم حسب حزب المرشح الفائز بكرسي الحكم الأمريكي، فإن فاز الجمهوري ربحت الصهيونية الرأسمالية الغربية، فتدفع نحو تطبيع الدول العربية مع الكيان، ونشر الابراهيمية، والتفاهم مع الصين، ومعاقبة إيران، وقد تحرك جيوشها لتحقق أهدافا محددة؛ أما إذا انتصر الديمقراطي تكسب الصهيونية الشرقية، فتهاجم التطبيع العربي الإسرائيلي، وتمارس ضغوطها على حكام الدول عبر مؤسسات حقوق الانسان، وتدعو للحريات المطلقة، وتهاجم الصين وتتسامح مع إيران، وتثير القلاقل والاضطرابات.
بعد الحرب العالمية الأولى، استطاعت حركات الاستقلال المدعومة اشتراكيا أن تفتت الإمبراطورية الرأسمالية التي انتقمت بدورها في الحادي عشر من سبتمبر وغزت الشرق عسكريا، فردت الاشتراكية بتفجير ثورات الربيع العربي لتستعيد السيطرة، فواربت لها الرأسمالية الباب وتركتها تعيش نشوة النصر، ثم نفذت ضدها سلسلة من الانقلابات لتولي أتباعها.
تمهيدا لعودة الجمهوريين الرأسماليين للبيت الأبيض، تبنى بوتين روسيا، وشي جين بينغ الصين الرأسماليان مسئولية قيادة عملية تصفية الزخم الثوري العربي بالانقلاب على النظام المصري الاشتراكي الاجتماعي الإصلاحي المكروه رأسماليا واشتراكيا والمتمثل في الرئيس محمد مرسي المنتخب شعبيا، وفرض نظام رأسمالية الدولة الديكتاتوري من خلال السيسي.
رفض الاتجاه الاشتراكي الثوري «الشيوعي» التوجه الاشتراكي الإصلاحي لكنه اضطر لقبوله في شخص مرسي إلى أن يتمكن من الدفع بمرشحه في مرحلة قادمة، لكنه أخطأ حين لعب بالنار وتعجل قلب الرأي العام ضد المكتسب الوحيد لثورة يناير قبل أن يستقر في قصره.
انتهت فوضى أوباما الاشتراكي الخلاقة بالهزيمة، ومكن ترمب الجمهوري الديكتاتوريين من مناصبهم، واحتاج بايدن لمعجزة جائحة كورونا المصنوعة ليصير رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية، لكنه أفشل منذ بداية توليه.
استبق الرأسماليين اطمئنان بايدن في كرسيه بإشعال حرب روسيا/أوكرانيا بغرض عرقلته عن تحقيق أي مكاسب ترفع أسهمه لدى المواطن الأمريكي، وجعله في حالة احتياج مستمر لبقاء الديكتاتوريين أتباع الجمهوريين في كراسي الحكم.
حاول بايدن الاشتراكي استغلال الغياب الجمهوري من البيت الأبيض لإيقاف مخطط ترمب ونقله السفارة الأمريكية إلى القدس، فأبدى تساهلا-إن لم تكن موافقة- تجاه ما أقدمت عليه إيران من تنفيذ عمليتها في غزة لغرس ساقي نتنياهو الرأسمالي في وحل حرب لم يردها الأخير، ولتفكيك جبهته الداخلية، ولشن حملة عالمية إعلامية تهيج الرأي العام ضده، وبالفعل نجح بايدن في تشتيت أنظار العالم عن حرب أوكرانيا التي لم يستطع أن يحرز فيها انتصارا.
بموافقة روسية صينية، أقدمت إيران على طوفانها ويبدو أن بقاء السيسي في السلطة كان أحد شروطهما لتمرير الهجوم، فاختارا ساعة الصفر بحيث تطغى أخبار الحرب على أصوات معارضة تطالبه بالرحيل، واستخدما مآلات المعارك كحبل لفاه بعناية حول رقبة بايدن الذي تأرجح ما بين ضعفه أمام الصهيونية الغربية، وبين أمله في تحقيق مصالح الصهيونية الشرقية.
أراد بايدن الاشتراكي أن يجعل معركة غزة حرب تكسير عظام يهدف من خلالها إلى فتح الحدود المصرية ودفع سكان غزة نحو سيناء ليكسب جيشا أكبر وصراعا أوسع يجعل تصفية القضية أمرا مستحيلا، لكن النظام الرأسمالي دعم موقف السيسي الرافض لاستقبال فلسطينيي غزة في مقابل أن تبقي مصر على شفا الحياة.
لم يكذب بايدن حين صرح أثناء حملته الانتخابية بأنه لو لم يكن صهيونيا لتمنى أن يكون صهيونيا، فالمستمع لا يعرف إلى أي صهيونية ينتمي، فكل مرشح ديمقراطي ضعيف، يحتاج أن يتحايل ويعلن عن صهيونيته ليصل لحكم أمريكا.
لم يكذب السيسي أيضا حين اعترف أنه يساند صفقة القرن، وكيف لا يفعل وهو من تلقى الدعم لتنفيذ انقلابه من نتنياهو ووزارة الدفاع الأمريكية التابعين للصهيونية الغربية الرأسمالية، ولمزيد من التوضيح، فقرار وزارة الدفاع دائما يكون قرارا رأسماليا برغم أن أزرار النووي يتسلمها الرئيس الاشتراكي إلا أنه قد لا يملك سلطة فعلية عليها.
يتبع >>