قبل أن يلتقط المصريون أنفاسهم من تبعات المراجعة الثالثة لبرنامج الاقتصاد المصري من قبل صندوق النقد الدولي والتي تمت في شهر يوليو الماضي، بدأت الاستعدادات للمراجعة الرابعة التي من المقرر أن تتم في الأول من شهر أكتوبر المقبل وتحصل الحكومة المصرية في حال إقرارها على شريحة جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار. مع العلم أن البعثة كان من المقرر أن تصل الشهر المقبل إلا أنه تم تأجيل الزيارة لأسباب لم يتم الكشف عنها بعد من قبل الحكومة أو المؤسسة المالية.
في المراجعة السابقة التي قامت بها بعثة صندوق النقد، تعرض المصريون لضغوط شديدة في تكاليف الحياة وأمورهم المعيشية وجموح في التضخم وضغوط غير مسبوقة جراء استجابة الحكومة للشروط المجحفة التي فرضها صندوق النقد مقابل الإفراج عن شريحة هزيلة تبلغ قيمتها 820 مليون دولار، علماً بأن حصيلة تلك الشريحة لم يستفد منها الاقتصاد المصري في شيء، بل وُجِّهت إلى سداد أقساط ديون مستحقة للصندوق تفوق تلك القيمة.
صاحب صرف الشريحة الأخيرة تطبيق إجراءات تقشفية عنيفة بحق المواطن والأسواق والاقتصاد مثل، زيادة رغيف الخبز بنسبة 300% مرة واحدة، زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز المنزلي بنسبة تبلغ 15% وهي الزيادة الـ 11 خلال فترة لا تتجاوز 10 سنوات، زيادة فاتورة الكهرباء للمنازل بنسبة تصل إلى 50%، وامتدت الزيادة للقطاعين الصناعي والتجاري، زيادة أسعار الأدوية بنسب تفوق النسبة السابقة، حتى مياه الشرب والمواصلات العامة ورسوم النظافة لم تسلم من تلك الزيادات.
ولا ننسى هنا مطلب صندوق النقد المتواصل والملح بتحرير سوق الصرف الأجنبي في مصر وضرورة منحه مرونة أكبر، وما صاحب ذلك من تعويمات متلاحقة وتهاوي قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار، وهو ما أفقر المصريين وأضاع مدخراتهم وأضعف قدرتهم الشرائية وأشعل نيران التضخم والغلاء.
كما صاحب صرف الشريحة الثالثة أيضاً المحافظة على أسعار فائدة مرتفعة على الجنيه المصري لجذب مزيد من الأموال الأجنبية الساخنة سواء لأدوات الدين الحكومية أو البورصة، وهو ما يمثل إرهاقاً للموازنة العامة للدولة وضغطاً إضافياً على العملة المحلية، ومواصلة الحكومة برنامج بيع أصول الدولة من شركات وأراضٍ، وتوجيه جزء من موارد الدولة إلى سداد الجزء الأكبر من مستحقات شركات النفط والغاز العالمية، وهو مطلب مستمر لبعثات صندوق النقد للقاهرة.
ومع استعداد صندوق النقد الدولي لإرسال بعثة فنية إلى القاهرة بداية شهر أكتوبر المقبل لإجراء المراجعة الرابعة لاتفاق القرض المبرم مع الحكومة المصرية والبالغ قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار، أصبح من نافلة القول إن الأسواق على موعد مع زيادات جديدة في الأسعار، وإن الحكومة قد تعلن عن زيادات أخرى في أسعار السلع والخدمات الرئيسية مثل البنزين والسولار والغاز المنزلي والقطارات ومترو الأنفاق والكهرباء والمياه، وزيادة أسعار نحو 1600 صنف أدوية، وفتح ملف تحويل الدعم من عيني إلى نقدي، مع خفض الدعم الحكومي المقدم لتلك السلع وغيرها، علما بأن خفض الدعم تمهيدا لإزالته كاملة هو مطلب حيوي للصندوق وافقت عليه الحكومة وبدأت بالفعل التنفيذ.
وهناك مقترح بتأجيل الزيادات الفصلية في سعر الوقود التي تتم كل ثلاثة شهور، على أن يتم تحرير سعر الوقود مرة واحدة بحيث يصل السعر المحلي لمستوى الأسعار العالمية بنهاية العام المقبل 2025.
كما سيتم زيادة إيرادات الضرائب والرسوم الحكومية مع تحجيم الإعفاءات الضريبية، وقطع شوط كبير في مجال خصخصة التعليم والصحة والمستشفيات العامة، والتباحث مع الحكومة بشأن رفع القيود المفروضة على استيراد السلع من الخارج.
لا يتوقف الأمر على ذلك، فقبل وصول بعثة صندوق النقد من المتوقع أن تتنازل الحكومة المصرية عن مزيد من أصول الدولة لمستثمرين خليجيين، فصفقة بيع “رأس جميلة” للسعودية باتت جاهزة للتوقيع، ويجري الإعداد للتنازل عن أصول أخرى.
الخلاصة أنه ما دامت هناك اتفاقات وبرامج موقعة مع صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض ضخمة، لن ينعم المصري بالحد الأدنى من رفاهية الحياة، وستواصل الأسعار الزيادة لتضغط على غالبية المواطنين بمن فيهم المنتمي إلى الطبقة الوسطى المتآكلة، وسيتواصل الضغط على الجنيه المصري مع سداد أعباء الديون الخارجية وتراجع إيرادات أنشطة رئيسية مثل قناة السويس التي فقدت نحو 3.5 مليارات دولار منذ تهديد جماعة الحوثي الملاحة في البحر الأحمر. كما تراجعت الإيرادات بنحو 57% خلال الربع الأول من 2024.