د. ياسر عبد التواب يكتب: كيف تعرف أهل النفاق
أهل الإيمان تنطق ألسنتهم بالخير، وترضى نفوسهم بالحق، وتصبر جوارحهم لطاعة الله وأهل النفاق تفلت ألسنتهم بالسوء، وتأبى نفوسهم بالحق، ويفرون فرقاً من أمر الله.. أنهم في الجهاد (تدور أعينهم كالذي يغشي عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير).
وفي زماننا يوجد نفاق، نفاق عملي ونفاق اعتقادي يظهر من فلتات الألسن وخطرات القلوب وأفعال النفوس ولأنا لا نعرف إلا الظاهر فمن أبدى لنا خيراً وقال خيراً وعمل خيراً قبلنا منه ومن أبدى لنا شراً وقال شراً وعمل شراً ظننا به الشر وأمره في الحالتين إلى الله.
فمن أقوال المؤمنين، وقت التحام الصفوف يوم بدر بعد ما تكلم أبو بكر فأحسن وقام عمر فأحسن ثم تكلم سيد الأنصار سعد بن معاذ ـ لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهداً ومواثيق على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضنا بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقي بنا عدونا غداً إنا نصبر عند الحرب صدق عند اللقاء، لعل الله يريك فينا ما تقر به عينيك فسر بنا على بركة الله.
أما أهل النفاق فإن أقوالهم في مثل تلك المواقف تعبر عن الخذلان والتخذيل والاستهزاء فمن ذلك قول أحدهم (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا) وقول بعضهم يوم الأحزاب استهزاءً يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن على خلائعه، وكانوا يفترون الكذب على الصحابة للتحقير ن شأنهم وصرف الناس عنهم عند اللقاء ) فلما بلغت الكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء متعذراً زاعماً أنه إنما كان يخوض ويلعب فأنزل الله تعالى (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
أهل النفاق (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) البقرة
قال علماؤنا: معنى «يخادعون الله» أي يخادعونه عند أنفسهم وعلى ظنهم. وقيل: قال ذلك لعملهم عمل المخادع. وقيل: في الكلام حذف، تقديره: يخادعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الحسن وغيره. وجعل خداعهم لرسوله خداعا له، لأنه دعاهم برسالته، وكذلك إذا خادعوا المؤمنين فقد خادعوا الله. ومخادعتهم: ما أظهروه من الإيمان خلاف ما أبطنوه من الكفر، ليحقنوا دماءهم وأموالهم، ويظنون أنهم قد نجوا وخدعوا، قاله جماعة من المتأولين. وقال أهل اللغة: أصل المخدع في كلام العرب الفساد، حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي. وأنشد:
أبيض اللون لذيذ طعمه طيب الريق إذا الريق خدع
قلت: فـ«يخادعون الله» على هذا، أي يفسدون إيمانهم وأعمالهم فيما بينهم وبين الله تعالى بالرياء.
وفي وقت الشدة والشدائد تجدهم يعتذرون عن القيام بواجب ما ومن ذلك قولهم (إذن لي ولا تفتني) فيرد الله عليهم (ألا في الفتنة سقطوا) ومن ذلك قول بعضهم يوم الأحزاب (إن بيوتنا عورة، و ما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيراً)، فلئن كانت تلك أقوالهم وكان باستطاعتهم المجاملة والكذب فيها فإن أفعالهم أجبن وأخشى، فتلك خصال أهل النفاق في كل زمان ومكان، والله المستعان.