مقالات

صفوت بركات يكتب: حتى لا نعتاد الهزائم.. ثبِّتِ العرش ثُمّ انقُش!

المعارك الفكريّة العدوانيّة، وحرب التّصوُّرات والمفاهيم تقوم على قاعدة دخول البيوت من ظهورها، قال تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189)

فدائمًا تحديد المَدخل الصَّحيح لأيّ نقاشٍ أو طرحٍ لأيّ مسألة هي تحديد المَدخل الحقيقيّ له؛ هذا المدخل الحقيقيّ يُقِرّه ويؤمن به كُلّ أصحاب العقول وأولو الألباب مِن كُلّ الأُمم مهما اختلف عرقهم أو جنسهم أو دينهم (أي مدخل تراثيّ لكُلّ الأمم والشُّعوب على مدار التّاريخ وكافّة الحضارات الإنسانيّة).

ومثال ذلك: فبدلًا من أن يُطرَح سؤال عن شرعيّة وصواب أو خطأ احتلال الأوطان ومقاومته، والذي هو الباب الوحيد الحَقّ في مسائل الصّراع، يُطرَح سؤال عدد الضّحايا وحجم العمران، وهكذا دواليك.

فالحرب الفكريّة وصناعة الهَوان تقوم على المغالطات والدُّخول مِنَ الجزئيّات والأبواب الخلفيّة وظهور المسائل ومغافلة الجميع بعدم الإتيان أو الدُّخول مِنَ الأبواب الحقيقيّة التي تَقرُّها البشريّة على مدار التّاريخ حتى صارت مبادئ للقانون الدّولي.

ومِن هنا، فالتّصدّي للتّدليس لا يَقِلّ أهمية عن حراسة الثُّغور والجبهات والاستشهاد عليها، لأنّ التَّصدِّي للتّدليس والحرب الفكريّة يمنع الهزيمة مستقبلًا بخلاف الهزيمة العسكريّة أو خسارة ثغر من الثُّغور التي يُمكن استرداده اليوم أو غدًا؛ فصِيانة العقول والمبادئ واستقرارها وشيوعها عند العامّة قبل الخاصّة من النّاس أكبر صراع جرى ويجري وسيظلّ يجري إلى يوم القيامة، وفي سبيله لا يجوز الكلام عن عدد الضّحايا ولا العمران ولا أيّ من آثار حراسة تلك المبادئ. وليس حراستها والإيمان بها للعلماء فقط، ولكن منَ الواجب شيوعها، وجعلها من البديهيّات عند العوامّ قبل الخواصّ، وللصّغير قبل الكبير.

ولابد لكُلّ طلاب العلم النُّبهاء وصُنّاع الرأي من الاهتمام بمُحكَمات القضايا ودراسة مداخلها وكُلّيّات المسائل وأبوابها الحقيقيّة، وعدم الغفلة والانسياق وراء الدُّخول لأيّ قضيّة تُطرح من أبوابها الخلفيّة أو نقاش الجزئيّات قبل التّثبيت للمدخل الكُلّيّ والمبادئيّ والإقرار به من الطّرف الآخر؛ وقديمًا ورثنا من سلفنا الصّالح: «ثبِّت العرش ثُمّ اُنقُش».

صفوت بركات
أستاذ علوم سياسية واستشرافية https://youtube.com/@alomhaa

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *