د. حلمي الفقي يكتب: معاونة المحتلين ردة عن الدين
التعاون مع المحتلين الظالمين الكافرين ردة عن الدين، وخيانة للمسلمين، بل هو الكفر الصريح، والردة الأعظم، والخيانة الأتم لله ولرسوله وللمؤمنين.
وذلك أن الفطرة الإنسانية السليمة تحنو على المظلومين، وتسهر على خدمتهم، وتشقى من أجل راحتهم، وتطعم جائعهم، وتكسو عاريهم، وتخفف آلامهم، ولا يتم ذلك إلا ببغض الظلم والظالمين، وبذل قصارى الجهد لمنع الظلم، ومحاربة الظالمين.
والإسلام في كلمة واحدة هو «الحب» هو أن تحب الخير للناس، وتكره الشر للناس جميعا، وتفرح للإنسان إذا أصابه خير، وتحزن عليه إذا نزل به مكروه، ففي الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}.
والأخ هنا يشمل المسلم والكافر لأن نص الحديث جاء بلفظ أخيه فقط ليشمل أخوة الإنسانية كلها المسلم والكافر، لا أخوة الإسلام فقط، قال محيي الدين النووي: ” يحمل ذلك على عموم الإخوة حتى يشمل الكافر والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام»
وهذا ما نص عليه حديث معاذ بن جبل -رضى الله عنه- أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال أَفْضَلِ الْإِيمَانِ: «أَنْ تُحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ»
فالإسلام أوجب على المسلمين محبة الناس أجمعين، المسلمين والكافرين، وأوجب كراهية المحاربين المحتلين، فمحبتهم ردة حضارية، ونكسة إنسانية، فمن أحب الكافرين المحتلين لديار المسلمين، كان مرتدا عن دين الإسلام، فإذا قدم لهم معاونة من أي نوع – مادية أو معنوية، كبيرة أو صغيرة- كانت الردة أعظم، والكفر أتم، والخيانة أكمل لله ولرسوله وللمؤمنين، وقد دل على ذلك كتاب الله تعالي، وسنة رسوله، وإجماع علماء الأمة.
أولا: الأدلة من القرآن الكريم:
1 – ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [المائدة: 51]
2 – ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾ [التوبة: 23]
3 – ﴿لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ﴾ [آل عمران: 28]
4 – ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ﴾ [الممتحنة: 1]
فمن اتخذ اليهود والنصارى أولياء فهو منهم أي كافر مثلهم، بنص آية المائدة، وهذه مجرد ولاية فقط لقوم كفار، قد يكونوا محاربين، أو مسالمين غير محاربين، فإذا كانت الموالاة لكافرين ظالمين محتلين، كان الكفر أصرح وأوضح، والردة أظهر وأقبح.
والموالاة المنهى عنها في الآية الكريمة، هي المحبة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الموالاة هي المحبة»
وقال ابن الوزير: «الموالاة هي الموادة والمحبة»
والقرآن الكريم ينهي المؤمنين عن موالاة الكافرين المحاربين المحتلين، ويحرم عليهم مودتهم ومحبتهم، ومن أحبهم كان منهم، وكان حكمه كحكمهم في الدنيا، وحشر معهم يوم القيامة، وكان مصيره مثلهم في نار الجحيم، والعياذ بالله، فإن عاونهم على جرمهم، وساعدهم على إثمهم كان الخطر أكبر، والحكم أوضح، والعاقبة أسوأ، فقد ارتد عن دين الإسلام بإجماع العلماء، والمرتد أسوأ من الكافر في دين الإسلام.
قال الإمام الطّبريّ في تفسيره: «قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} أي: لا تتّخذوا أيّها المؤمنون الكفّار أنصارًا توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين وتدلّونهم على عوراتهم ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء وقد برئ من اللّه وبرئ اللّه منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر»
وقال الزجاج في تفسيره: «قوله تعالى: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أنه من كان مؤمناً فلا ينبغي أن يتخذ الكافر ولياً لأن ولي الكافر راض بكفره، فهو كافر»
فإذا كان الرضا بالكفر، كفر، ومن رضي بالكفر فهو كافر، فمن عاون المحتل بأي معاونة صغيرة أو كبيرة، عظيمة أو حقيرة، فهو كفر أكبر، وردة أعظم، وخيانة أتم لله ولرسوله وللمؤمنين.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره: «قوله تعالي: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} بيّن تعالي أن حكمه كحكمهم» ثم ذكر القرطبي السبب فقال: «لأنه قد خالف الله تعالي كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم»
وقال الشوكاني في فتح القدير: «ومن يتولهم منكم فإنه منهم أي فإنه من جملتهم وفي عدادهم، وهو وعيد شديد فإن المعصية الموجبة للكفر هي التي قد بلغت إلى غاية ليس وراءها غاية» ثم قال بعد ذلك: «وموالاة الكافرين من المسلم كفر، وذلك نوع من أنواع الردة»
فأئمة التفسير أجمعوا على أن معاونة الكفار المحاربين، كفر يخرج عن الدين، وما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وما حولها من بلاد المسلمين، هو ردة حضارية كبري، وجريمة إنسانية عظمى، فمن قدم لهم أي معاونة كان كافرا مرتدا عن الإسلام، ومشاركا للمحتل في جرائم الإبادة الجماعية التي يقترفها في حق الفلسطينيين، وغيرهم، وهذه جرائم لا يرتكبها مسلم، ولا إنسان، ولا حيوان، بل لا يرتكب هذه الجرائم إلا شخص تجرد من كل القيم الإنسانية، والمبادئ الأخلاقية.
ثانيا: من السنة:
1- روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المرء مع من أحب}
2- وفى الصحيحين أيضا عن أنس بن مالك: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة يا رسول الله؟ قال: (ما أعددت لها). قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: (أنت مع من أحببت).
فمن أحب ظالما حشر معه، ومن أحب مصلحا مجاهدا حشر معه، ومن قدم عونا لمحتل كان شريكه في الجرم والإثم، وكان على دينه، وحشر معه يوم الدين، قال ابن الجوزي: «المعين على الشيء كالفاعل في وقوع المشاركة في الثواب والعقاب». وقال القاضي عياض: «المعين على الشيء مثل فاعله في الإثم والأجر».
فمن قدم عونا لمحتل كان شريكه في الجرم والظلم والإثم، وحشر تحت راية المحتلين الظالمين يوم القيامة، وكان مصيره كمصيرهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم، كما نقلنا ذلك عن الإمام القرطبي قبل قليل، وسواء كان هذا الدعم مادي أم معنوي، وسواء كان دقيقا أو جليلا، كبيرا أو صغيرا، عظيما أو حقيرا، ولا يتعاون مع المحتل إلا مجرم خطير، قد ارتد عن الدين، وشارك الكافرين، المصير الأليم، والمآل المهين يوم الدين.
ثالثا: الإجماع:
معاونة المحتل ردة وكفر بإجماع علماء المسلمين، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية: «موالاة الكفار التي يكفر بها من والاهم، هي محبتهم، ونصرتهم على المسلمين»
قال العلّامة أحمد شاكر: «أما التعاون مع الانجليز بأيّ نوع من أنواع التّعاون قلّ أو كثر فهو الرّدّة الجامحة والكفر الصّراح لا يقبل فيه اعتذار ولا ينفع معه تأوّل ولا ينجّي من حكمه عصبيّة حمقاء ولا سياسة خرقاء ولا مجاملة هي النّفاق سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء كلّ هؤلاء في الكفر والرّدّة سواء»
وقال الإمام ابن باز: وقد أجمع علماء الإسلام على أنّ من ظاهر الكفّار على المسلمين وساعدهم بأيّ نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم، لقوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.