مقالات

د. سعيد إسماعيل يكتب: طه حسين.. لماذا كَره كلية المعلمين وحاربها؟

في رواية بين القصرين لنجيب محفوظ، نقرأ حوارا مثيرا بين السيد أحمد عبد الجواد، وابنه كمال، الذي كان قد انتهى من دراسته الثانوية..

سأل الأب ابنه عن وِجهته الدراسية التالية؟ فأجاب كمال: المعلمين العليا!!

هنا ثار الأب، وقال كلاما طويلا خطيرًا يحمل معان مهمة:

– أن المعلمين مدرسة الفقراء

– أن لا مقام للمعلمين مرموق في سلم التقدير الاجتماعي

– أنه، باعتباره من كبار التجار، يمكن أن يشعر بالعار إذا التحق ابنه بالمعلمين العليا!!

وقد سألت أديبنا الكبير، عندما قابلته في مكتبه بالأهرام، عن هذه الواقعة: هل كانت من محض خياله، أم انعكاسا لواقع كان قائما؟ فأكد على الثاني..

فما أصل الحكاية؟

عندما تم افتتاح أول جامعة حديثة في مصر سنة 1908، ترددت في كلمات منشئيها،

ومعظمهم كانوا من الأثرياء، فكرة قيامها على مبدأ (العلم للعلم)، حيث لم يكن أحد من المنشئين تقلقه لقمة العيش..

وبعد ثورة الشعب العظيمة، والوحيدة في العصر الحديث، سنة 1919، وإعلان الاستقلال،

وظهور طلعت حرب وبنك مصر، وبدء اتجاه (التمصير)، بدأت الأجيال الجديدة تبحث عن تعليم يؤهلها للعمل..

وفى أوائل العشرينيات، كانت هناك (مدرسة المعلمين العليا) التي كانت تضمن لخريجيها العمل بالتدريس، بينما لم يكن التعليم الجامعي يعد للعمل..

وكان طبيعيا بناء على ذلك أن تكون الجمهرة الغالبة من المتجهين إلى المعلمين العليا، هم أبناء الفقراء وأوساط الناس..

ولما كانت مهنة التدريس شاقة، وبطيئة الترقي، ومرتباتها قليلة.. تقرر أن يكون الالتحاق بالمعلمين مجانيا، على غير ما كانت عليه الجامعة..

وهكذا بدأ الإقبال على الجامعة يقل أو يسير ببطء شديد، على عكس المعلمين العليا..

توجيه سهام النقد للمعلمين العليا

هنا بدأ طه حسين في توجيه سهام النقد للمعلمين العليا، واستطاع في أواخر العشرينيات، بحكم نفوذه أن «يرتب» مجيء خبيرين أجنبيين لبحث الحال،

حيث اقترحا أن يكون إعداد المعلم، بعد الانتهاء من التعليم الجامعي، في معهد عال للمعلمين (والذي أصبح فيما بعد تربية عين شمس)، وتم إلغاء المعلمين العليا..

لكن بعض رجال وزارة المعارف (محمد كامل النحاس)، استطاعوا أن يعيدوا إحياء كلية المعلمين سنة 1946،

فلما جاء طه حسين وزيرا للمعارف في وزارة الوفد عام 1950، جاءته الفرصة ليحقق غرضين في واقت واحد، كيف؟

  كان قد بدأ الإعداد لإنشاء جامعة ثالثة، (حيث جامعة فاروق بالإسكندرية، وفؤاد بالقاهرة)، ويكون اسم الثالثة: جامعة إبراهيم (سلالة الأسرة العلوية).

  هنا أمر مفكرنا بتحويل القسم الأدبي بالمعلمين إلى كلية آداب الجامعة الجديدة، والقسم العلمي، إلى كلية العلوم…

  وما أن ذهبت وزارة الوفد، ومعها طه حسين، حتى سارع رجال المعارف (محمد كامل النحاس) إلى إعادة إحياء كلية المعلمين، في المبنى الذي تحتله الآن: كلية التربية النوعية بالعباسية..

د. سعيد إسماعيل علي

خبير وكاتب مصري في المجال النفسي والتربوي،

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى