الأمة: أكد مختصون قانونيون أن الإعلان الدستوري الصادر عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، يمثل نسفا لأبسط القواعد الدستورية التي استقرت عليها المنظومة الدستورية في الأنظمة السياسية في العالم،
ويعتبر إطارا جديدا وغير مسبوق، في الربط بين أجهزة ومؤسسات ليس لها علاقة بالإطار القانوني الناظم لمسوغات الحكم في فلسطين.
وأشاروا إلى أن الإعلان يأتي خلافًا لما تنص عليه المادة (37) من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003، بأن رئيس المجلس التشريعي هو من يتولى رئاسة السلطة الوطنية في حال شغور المنصب.
وتنص المادة: “إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في أي من الحالات السابقة يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً تجرى خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني”.
فضلًا عن ذلك، فإنه ليس من صلاحيات الرئيس إصدار أي إعلانات دستورية تعدل القانون الأساسي الفلسطيني، وإن ما قام به الرئيس بإصدار إعلان دستوري يعد تجاوزا على كل المنظومة الدستورية،
لأنه وفق المادة (120) من القانون الأساسي المعدل فإنه “لا تعدل أحكام هذا القانون الأساسي المعدل إلا بموافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني.”
وكان عباس، قد أصدر إعلاناً دستورياً، يقضي بموجبه، أنه في حال شغور مركز رئيس السلطة الفلسطينية، يتولى مهامه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مؤقتا لحين إجراء الانتخابات الرئاسية، ويرأس المجلس الوطني اليوم عضو مركزية فتح ومنظمة التحرير روحي فتوح.
وجاء في المادة (1) من الإعلان: “إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتا، لمدة لا تزيد على تسعين يوما،
تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذر إجراؤها خلال تلك المدة لقوة قاهرة تمدد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط.”
ويقول الخبير القانوني المحامي صلاح موسى إن الإعلان الدستوري هو باختصار مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم حياة الناس في إقليم معين، بهدف تسهيل إصدار قوانين لحين وضع دستور متفق عليه،
بعد أن تم تعطيل الدستور القائم و/أو لحين وضع دستور جديد نظرا لظروف استثنائية مرت بها البلاد. من هنا نجد أن الإعلان الدستوري له عدد من الشروط لإصداره وهي:
أن يكون هناك دستور موجود وتم تعطيله بسبب حرب أهلية أو انقلاب عسكري، أو ثورة شعبية، أو عدم وجود دستور في الدولة أصلا، وهذا لا يتوفر في الحالة الفلسطينية، فلدينا قانون أساسي فلسطيني، لم يعطل لأي سبب من الأسباب المشار إليها.
وأضاف بأن “الاعلان الدستوري يتضمن عدد واسع من المواد تكون أشبه بوثيقة الدستور من حيث ضمان الحريات والحقوق العامة، والتاكيد على مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات،
وهذا أيضا لم يتوفر في الإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس، مستدركا “ما صدر يتكون من مادة واحدة فقط تتعلق بشغور منصب الرئيس وهذا مخالف لأبسط القواعد الدستورية لأن الإعلان كما أشرنا سابقا يتعلق بالمبادئ العامة لنظام الحكم الذي على أساسه سيكون عليه النظام الدستوري المرجو تجسيده”.
ويشير موسى إلى أن “الإعلان الدستوري فيه لبس ما بين المرجعيات القانونية التي حكمت إنشاء السلطة، وما ورد في القانون الأساسي الفلسطيني من حكومة ورئيس ومجلس تشريعي وسلطة قضائية وغيرها من الأسس للحاكمية في فلسطين،
وبالتالي فإنه لا يجوز من الناحية الدستورية الخلط بين مرجعيات منظمة التحرير الفلسطينية وبين السلطة الفلسطينية، لذلك فإن هذا الإعلان الدستوري يمثل نسفا لأبسط القواعد الدستورية التي استقرت عليها المنظومة الدستورية في الأنظمة السياسية في العالم،
ويعتبر إطارا جديدا وغير مسبوق في الربط بين أجهزة ومؤسسات ليس لها علاقة بالإطار القانوني الناظم لمسوغات الحكم في فلسطين بل والعالم.
ويكمل “جاء إعلان عباس على شكل تعديل على القانون الأساسي بصيغة إعلان دستوري، وكأنه تخريجه قانونية ودستورية للرئيس، للخروج من حرج إلغاء القانون الأساسي ونقل الصلاحيات إلى المجلس الوطني ومنظمة التحرير، لتحل تدريجيا مكان الأجهزة والسلطات التي نشأت بحكم ما ورد في القانون الأساسي الفلسطيني،
والأخطر انه أسس لنقل الحكم بطريقة غير دستورية لموقع ليس له أي شرعية قانونية وفقا للقانون الأساسي الفلسطيني، وحجب الحق في اختيار الشعب الفلسطيني لرئيسه عن طريق صندوق الاقتراع، وهذا يمثل خللا إضافيا في الإعلان الدستوري”.
وفي تصريحات صحفية له، أكد أستاذ القانون في الجامعة العربية الأمريكية، رائد أبو بدوية أن عباس خالف القانون الأساسي بشكل واضح، وعدل عليه، ومنح نفسه صلاحيات دستورية، هي ليست من حقه، وهو سلب لصلاحيات المجلس التشريعي.
ويرى أبو بدوية، أن الإعلان الدستوري الذي أصدره رئيس السلطة، يحمل أبعادا سياسية أكثر، ويعزز سلطة الفرد الواحد التي عززها حل المجلس التشريعي من جانب، والسيطرة على تعيينات رئيس مجلس القضاء.
وفي الجانب السياسي، يشير أستاذ القانون أن هذا الإعلان، سوف يعزز الانقسام بشكل أكبر بالمنظومة السياسية الفلسطينية، معربا عن تخوفاته من أن يكون الإعلان استجابة لرغبات سياسية خارجية، قد تكون عربية، وقد تكون أمريكية.
ويتساءل: ” هل هناك تخوف من أن يذهب المنصب لحماس كونها حصلت على رئاسة المجلس التشريعي في آخر دورة له، وبالتالي تفويت الفرصة على حماس لعودتها للحكم، واستجابة لرغبات خارجية، بتحييد حماس بالكامل عن المنظومة السياسية خاصة مع عدم إجراء انتخابات؟”.
وفي السياق، يؤكد مدير الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون، ماجد العاروري أن القرار عمليًا أوضح أمرا مهما حول من سيخلف الرئيس في حالة شغور المنصب، لكنه قانونيًا زاد الأمور تعقيدًا كون الرئيس ليس من صلاحياته إجراء تعديلات على القانون الأساسي الفلسطيني.
ويضيف العاروري “الإشكالية الأبرز هي غياب المجلس التشريعي”، مشيرا إلى ضرورة البحث عن حلّ يعزز فكرة الفصل بين السلطات،
عبر تشكيل مجلس انتقالي يقوم بدور المجلس التشريعي خلال الفترة القادمة، لافتًا القانون الفلسطيني أساسًا تم تعطيله منذ عام 2019 بعد أن حلّ المجلس التشريعي وبدء صدور قرارات تندرج تحت “قرار بقانون”.
وكانت المحكمة الدستورية، قضت عام 2008، حل المجلس التشريعي المنتخب، تلاه إعلان الرئيس محمود عباس البدء بتنفيذ قرار المحكمة الدستورية، وهو ما يعتبره خبراء قانونيون: ” “باطلا وغير دستوري، وغير وطني، وجريمة، ومخالفة للقانون الأساسي ولقانون المحكمة الدستورية”.
ولعل التصريحات الأعنف، صدرت عن منسق “المؤتمر الشعبي الفلسطيني” (مستقل) عمر عساف، الذي قال إن الرئيس نفسه غير شرعي، وكل هذه المراسيم التي يصدرها غير شرعية واستمرار لمصادرة إرادة الشعب، ومحاولة “تفصيل هيئات الحكم وفق مقاسات معينة”.
وأكد أن “المجلس يأتي موافقًا لرغبة عباس ذاته، ويكرس حالة تغييب الشعب عن المشاركة في القرار، وأن تبقى في يد الحزب الواحد، حيث إن حماس والجهاد الإسلامي غير موجودة في المجلس الوطني”.
ووفق عساف، فإن “أبو مازن وجماعته يحصلون في استطلاعات الرأي على 5 – 10% من تأييد الشعب، وبقية الفلسطينيين ملتفين حول المقاومة، ومع ذلك يُغيب أبو مازن الشعب عن المشاركة في القرار، وبتجاهل المركز التشريعي وفق الدستور، ويختار المجلس الوطني الذي لا يضم فصائل المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي”.
بدوره، علق الناشط السياسي شداد عبد الحق على إعلان الرئيس بقوله “هذا يشير إلى أن الفراغ حالة متدحرجة، كرة ثلجية تكبر بسرعة؛ امتدت عبر سنوات الجمود الفلسطيني لتبتلع اليوم كل شيء. الفراغ يعود لينهش في لحمنا ككلب مسعور”.
ويضيف “بعد سنوات من القرارات بقانون و”استسهال” حل كل جسم تمثيلي حقيقي فلسطيني والانتقال من فراغ الصدفة إلى صناعة وهندسة فراغات قانونية مسبقة، وصلنا للحظة عاد كل ذلك ليطبق علينا ونحن في وجه المجهول”.
ويتابع “علّمنا إعلان الرئيس كذلك أننا شركاء في الفراغ منذ البداية ؛ تخلّينا عن مواطنتنا الفعّالة وهروبنا من مواجهته بالفكرة الحرّة والمرهِقة بدلاً من العوم السهل في فناجين الأزمات المصطنعة الوهمية، التي خلقتها السلطة التنفيذية،
وعلّمنا كذلك أننا نعيش اليوم في فضاء فلسطيني بالغ الفوضوية تختلط فيه منظمة التحرير بالسلطة، ويعاد إنتاج الشخوص بكل ضحالة، باتت فيها الحالة الراهنة قائمة على أرضية هشّة جداً من القرارات، بقانون وإعلانات دستورية لم يرد لها سند أصلا في القانون الأساسي”.