مقالات

رانيا مصطفى تكتب: «وفاز ترمب»

كتتويج لمجهودات الحزب الجمهوري، فاز ترمب بفترة رئاسة ثانية للولايات المتحدة الأمريكية.

انتهت فترة رئاسة ترمب بمشهد همجي لم يعتد عليه الأمريكيون بعد عقود من التبادل السلمي للسلطة، فقد رفض نتائج الانتخابات الرئاسية، واعتبرها مزورة، وهجم مناصريه على مبنى الكونجرس، إلا أنه اضطر في النهاية إلى تسليم السلطة.

بذل الحزب الديمقراطي جهودا مضنية لإيجاد دليل على التنسيق بين حملة ترمب الرئاسية والحكومة الروسية، وبرغم أنها هزت شعبيته إلا أنها لم تتمكن من اسقاطه، وبصعوبة بالغة نجح في العودة للبيت الأبيض.

لم يهنأ بايدن بمقعده في البيت الأبيض، فقد اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية التي تسببت في هزة غربية شديدة وحالة من الارتباك لنظام الرئيس الأمريكي الذي رفض انخراط بلاده في أي حرب، ليلحق بها الغزو الإسرائيلي لغزة والذي أحدث بركان غضب شعبي عالمي.

استطاع الجمهوريون بخبرة أن يلصقوا بحكومة بايدن الديمقراطي اتهامات بمساندة هجوم إسرائيل على غزة ودعم حكومتها بالأسلحة، مستغلين عدم قدرة أي رئيس أمريكي نفي الاتهام، كما تمكنوا من اظهاره كمسن مخرف لا يصلح للحكم برغم أنه يكبر ترمب بأربع سنوات فقط.

إن ترمب الذي صرح بأنه قادر على انهاء الحربين الأوكرانية والاسرائيلية هو العامل المشترك الذي يربط بين بوتين وبيبي، فكلاهما يشعران بارتياح لوجوده على رأس الحكم.

بالتزامن مع فوز بايدن بمقعده في البيت الأبيض، بدأ ترمب حملته الرئاسية وصارع الديمقراطيين ليفلت من توقيع عقوبات قانونية ضده، واستطاع أن يحقق انتصارات وأن يجمع مؤيدين.

فاز ترمب في وقت مبكر، وما انسحاب بايدن من السباق الرئاسي إلا اجراء روتيني متوقع، وخاصة أن بايدن ليس ماهرا في التلاعب بمشاعر الجمهور.

من الملفت أن الحزب الديمقراطي واجه ترمب في حملته الانتخابية مرة بهيلاري كلينتون، ومرة بكامالا هاريس، وكأنه أراد في المرتين أن يعلن هزيمته المتوقعة بشكل أنيق.

إن المواجهة بين الحزبين الديمقراطي-الجمهوري/ الأمريكي هي جوهر الصراع الاشتراكي الرأسمالي، ولقد تلقت الاشتراكية ضربات عنيفة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي مرورا بغزو العراق وأفغانستان، ووصولا للانقلابات الدامية على ثورات الربيع العربي.

يرتبط النظامان الاشتراكي والرأسمالي بقوة بالشرق الأوسط، لذلك فلا عجب أن يصبح انتخاب الرئيس الأمريكي هو الحدث الأهم الذي يوفق رؤساء دول هذه المنطقة أوضاعهم وفقا لما سيسفر عنه.

    إن من يراقب بيانات الأحزاب اليسارية وخطواتها في السنوات الماضية يدرك مدى ضعف وتراجع القوة الاشتراكية في العالم وخاصة بعد تجديد الزعماء الشيوعيين لنظريات أحزابهم القديمة، ومدى انحسار أداء الحركات السياسية الداعمة لها حتى أنهم أعلنوا عن قبولهم الاندماج داخل أنظمة ديكتاتورية قمعية مدعومة من حكومات رأسمالية.

لقد عادت الرأسمالية بتوحش مضاعف لتحتل الدول اقتصاديا دون الحاجة للاستعمار العسكري، ولتبسط سيطرتها على مساحات أوسع من الكرة الأرضية وحتى داخل بلاد تصنف كدول ديمقراطية اشتراكية، بل إنها صارت تستعبد مواطني الدول الفقيرة داخل أوطانهم التي صارت من الهوان بحيث أنها حتى لا تستطيع أن تصد عن نفسها الأذى.

مع بداية التخطيط لموجة الفوضى الخلاقة، وأثناء التحضير لثورات الربيع العربي، استطاع الاشتراكيون جذب الجماهير لوسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقعي فيسبوك وتويتر اللذان شكلا منصة انطلاق الرأي الشعبي المحبوس داخل الحناجر، واللذان كانا أداة محركة لحركة الناس في الميادين فيما بعد.

بقوة المال والنفوذ القوي، أغلقت العديد من المواقع والمنصات التي كانت تقدم آراء حرة، وكما أعادت جوجل هيكلتها وأطلقت على شركتها الأم ألفا بت، كذلك غيرت فيسبوك شعارها إلى ميتا التي ابتلعت تطبيقات كواتس آب وانستجرام، وابتكرت تطبيق ثريد ليكون بديلا لتويتر إلى أن تمكن إيلون ماسك من امتلاك موقع تويتر وغير اسمه إلى إكس ليعلن بذلك الرأسماليون هيمنتهم على آراء الشعوب من خلال معايير يفرضونها ومقابل مادي يتلقونه.

في ظل الأحداث العالمية الأخيرة المتلاحقة، يشعر المتابعون وكأن هناك ساحرا قد أشار للعالم بطرف عصاه وألقى عليه تعويذة حركت قطعه لتصنع زوبعة وسط دهشة الجميع.

إن كل ما يحدث هو بسط لسجادة حمراء استقبالا للرئيس الجمهوري وحكومته التي تبدو وكأنها حكومة انقلاب على التوافقية السياسية العميقة بين أكبر حزبين في الولايات المتحدة.

في محاولة يائسة من طرف الديمقراطيين الذين أصبحوا على بعد خطوات من باب الخروج من باب البيت الأبيض، سمح بايدن باستخدام أوكرانيا أسلحة بعيدة المدى في روسيا، بينما دعم الجمهوريون غزو غزة وجنوب لبنان واغتيال قادة الحركات التقليدية -حماس وحزب الله-، وغارات نتنياهو المستمرة.

لم يكتف الجمهوريون باجتياح غزة ولبنان، لكنهم عزموا على مطاردة نفوذ إيران في سوريا في محاولة للتخلص من كل بؤر الدعم للقضية الفلسطينية بعد أن حبسوا التيار الاسلامي في سجون حكام العرب بتهمة الارهاب.

أصاب الجمهوريون إيران بجروح عميقة بحيث لن تستطيع مساندة النظام السوري، كما أنهم لوحوا لبوتين بمفاوضات لحل الأزمة، ترى هل سيجد الأسد المدعوم ايرانيا وروسيا -سابقا- حليفا يواجه معه جبهة النصرة؟

في سياق متصل بظهور جبهة النصرة مجددا، أفرج السيسي -عسكري الجمهوريين- عن بعض الاسلاميين وأعرب عن رغبته في مراجعة المواقف القانونية للمحبوسين والمدرجين على قوائم الارهاب، فهل يرغب ترمب في احداث توازن عبر استعادة الوجود السني المشروط لإنهاء التمدد الايراني تماما في المنطقة؟

لنتابع ونرى

رانيا مصطفى

مدونة مصرية مهتمة بالتاريخ والأدب والسياسة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى