أقلام حرة

محمد العنبري  يكتب: تعز لا تموت من الرصاص.. بل من العطش

في مدينة تعرف بأنها قلعة النضال والجمهورية وساحة للتضحيات لا يزال الموت يختار أشكالًا أخرى لزيارة الناس بعيدا عن صخب الرصاص والمدافع في تعز الماء ذاك العنصر البسيط والضروري لبقاء الإنسان أصبح معركة يومية يخوضها المواطنون دون سلاح ويموتون فيها بصمت مطبق وببطء موجع.

الماء هو الحياة هكذا تعلمنا لكن في تعز بات الماء مرادفا للذل والمهانة والعجز وكأن هذا الشعب الأبي لا يكفيه الحصار والرصاص ولا تكفيه الحرب والقهر حتى يسحق أيضا في أبسط احتياجاته قطرة ماء.

طوابير النساء والأطفال في الأحياء وهم يلهثون خلف وايت ماء أو ينتظرون لساعات طويلة أمام صنابير جافة لم تعد مشاهد عابرة بل تحولت إلى جزء من الحياة اليومية وبينما تغيب الدولة تتغوّل مافيات المتاجرة بالماء وتتحول الكارثة إلى فرصة للربح ويستبدل الضمير الإنساني بفواتير الصهاريج وتسعر الحياة كما تسعر جالونات الماء.

الوجع في تعز ليس في انقطاع الماء فحسب بل في الصمت الرهيب تجاهه لا صوت للمسؤولين لا خطة واضحة لا معالجة عاجلة لا اهتمام حقيقي لا شيء سوى تبادل التهم بين السلطة المحلية ومؤسسة المياه والمنظمات، وبين الجميع يضيع المواطن وكأن ماء وجهه ليس له من يكفكفه.

في هذه المدينة تجتمع التناقضات كلها المطر يهطل بكثرة والآبار موجودة والجبال مليئة بالينابيع والمبادرات ممكنة لكن إرادة الحل مفقودة والفساد يحول كل حل إلى أزمة والنتيجة؟ يموت المواطن عطشا في مدينة محاطة بالماء.

أين خطط الإنقاذ؟ أين الحكومة؟ أين المنظمات؟ أين كل أولئك الذين يرفعون شعارات الإنسانية ويملؤون العالم ضجيجا؟

هل يعقل أن تتحول تعز إلى مدينة تشرب بالواسطة؟ هل أصبح البقاء في المدينة مشروطا بامتلاك المال أو بمعرفة مالك الصهريج؟ هل بات العطش أداة جديدة للتمييز الطبقي في بلد مسحوق أصلا؟

بينما تتصارع القوى السياسية على النفوذ وتتصادم الولاءات في أروقة الأحزاب يموت الناس في صمت في مطبخ صغير بلا ماء في مدرسة لم يعد فيها شرب نظيف في مستشفى انقطعت عنه المياه في حي ينام سكانه على الظمأ ويستيقظون عليه.

فإلى متى؟!

سؤال يجب أن يرفع بأعلى صوت لا بصيغة الاستجداء، بل بصيغة المحاسبة الماء ليس رفاهية الماء حق ومن يعجز عن توفير هذا الحق لا يحق له أن يدعي قيادة أو تمثيلا لشعب يقتل عطشا.

تعز لا تموت من الرصاص وحده… بل تموت من العطش من الصمت من الإهمال من تحول الحياة فيها إلى مشروع استثماري ومن جفاف الضمير أكثر من جفاف الأنابيب.

لقد آن الأوان أن يكون الماء في تعز عنوانا لكرامة الحياة لا ذلّها وأن يعود لكل بيت في المدينة حقه في الشرب لا عبر منحة مؤقتة أو مبادرة موسمية بل عبر خطة وطنية تنهي هذا العبث القاتل فهل من أحد يسمع؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى