مقالات

د. يحيى سعد يكتب: الثورات فعل اجتماعي تراكمي

الثورات فعل اجتماعي تراكمي، منطلقه الوعي، ودعاماته: الإرادة، والعزيمة، والتضحية.

ربما يغرس المؤسسون ولا يحصدون، وربما ينجح الجيل اللاحق فيما عجز عنه المؤسسون، وربما تعمل التجارب المتكررة على إنضاج الأفكار واستدراك الأخطاء، فثمة مجموعة من العوامل والفواعل تؤثر في النتائج.

في منتصف التسعينيات وفي إحدى الدول الخليجية التقيت الدكتور منير الغضبان -رحمه الله- صاحب كتاب: (المنهج الحركي في السيرة النبوية)، فكان حديثه عن سبب تأليفه ذلك الكتاب، وذكر أنه تأثر بما كتبه سيد قطب -رحمه الله- في كتاب (في ظلال القرآن) الذي يبرز المنهج الحركي في القرآن الكريم، فأراد الغضبان أن يغزل على منواله، فألف كتاباً يبرز المنهج الحركي في السيرة النبوية.

منير الغضبان يعد أحد المنظرين للحركة الإسلامية، إذ لم يكتف بكتاب المنهج الحركي في السيرة النبوية، فألف كتاباً آخر من جزأين عنوانه: (التربية السياسية في السيرة النبوية).

بعد خمسة عشر عاما وفي عام 2011 وبينما كان الغضبان في زيارة لمصر التقيته مرة أخرى، لكن هذه المرة لم تكن في ميدان التنظير وإنما كانت في ميدان التطبيق، حيث جاء بصحبة وفد سوري للتحاور مع قيادات ورموز العمل السياسي من الإسلاميين خاصة حول كيفية استفادة الثورة السورية من الثورة المصرية في جولتها الأولى التي نجحت في إسقاط مبارك بعد ثلاثين عاما من حكمه.

في ذلك الاجتماع الذي كان يحضره الدكتور عصام العريان – رحمه الله- كان شبح مجزرة حماة التي ارتكبها حافظ الأسد في الثمانينيات ضد إخوان سوريا يخيم على المشهد، وكان الدكتور عصام العريان يحذر إخواننا السوريين بشدة من تدحرج الثورة السورية إلى مربع العمل المسلح خيفة تكرار المأساة مرة أخرى، وخاصة أن مناوشات النظام السوري كانت قد بدأت بالفعل في ذاك الوقت.

كان الغضبان في هذا الاجتماع يستمع ويفكر أكثر مما يتكلم.

لم تمض شهور قليلة حتى نجح بشار بالفعل في جر الثورة التي انطلقت شعبية سلمية إلى المواجهة المسلحة ثم كان ما كان من المحرقة والإبادة التي لحقت الشعب السوري.

في 2014 توفي الغضبان بعد ثلاث سنوات من انطلاق الثورة، ولم يمتد به العمر حتى يرى سقوط بشار، فيرى ثمار غرسه الفكري في الواقع الميداني.

انتصرت الموجة الثانية من الثورة السورية على يد جيل جديد تعلم من الأخطاء، واستثمر الفرصة، فأطاحت ببشار الأسد الذي فر هارباً إلى روسيا.

رحم الله منير الغضبان، ومصطفى السباعي، وعصام العطار، وسعيد حوا، وغيرهم من قادة الدعوة المجاهدين في سوريا الذين حرثوا وغرسوا، ولم يروا ثمار غرسهم في حياتهم، لكن الله يكتب ما قدموا وآثارهم.

د. يحيى سعد

كاتب وباحث سياسي مصري، مهتم بهموم الأمة الإسلامية وقضاياها المعاصرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى