
تُعد إسرائيل شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي، حيث تمثل اتفاقية الشراكة الأوروبية-الإسرائيلية (1995) أساسًا للتعاون التجاري والسياسي. ومع ذلك، شهدت العلاقات توترات متزايدة منذ تصعيد الصراع في غزة عام 2023، مما دفع الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات عقابية محدودة. يهدف هذا التقرير إلى تحليل مدى جدية هذه العقوبات وما إذا كانت تُمثل ضغطًا حقيقيًا على الحكومة الإسرائيلية أم مجرد إجراءات رمزية.
العقوبات على أفراد وكيانات إسرائيلية
يوليو 2024: فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على خمسة أفراد وثلاثة كيانات إسرائيلية بسبب “انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان” في الضفة الغربية وشرق القدس. تشمل هذه العقوبات:
تجميد الأصول وحظر السفر: استهدفت أفرادًا مثل بن زيون غوبشتاين (زعيم منظمة “لهافا” اليمينية المتطرفة) وكيانات مثل “تساف 9″، التي عرقلت شاحنات المساعدات إلى غزة.
منظمة شباب التل: استهدفت بسبب أعمال العنف ضد الفلسطينيين.
أبريل 2024: عقوبات مماثلة استهدفت مستوطنين متطرفين في الضفة الغربية، وهي المرة الأولى التي يتخذ فيها الاتحاد إجراءات ضد إسرائيليين بهذا الشكل.
التأثير: هذه العقوبات محدودة النطاق، حيث تستهدف أفرادًا ومنظمات غير حكومية، ولا تؤثر مباشرة على سياسات الحكومة الإسرائيلية.
اقتراحات عقوبات على وزراء إسرائيليين
أغسطس 2024: دعا جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي آنذاك، إلى فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، مثل:
بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية): بسبب تصريحاته التي بررت تجويع المدنيين في غزة.
إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي): بسبب دعمه لعنف المستوطنين وتصريحاته التحريضية.
مايو 2025: السويد قادت اقتراحًا لفرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، لكن المجر استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع الإجماع.
العوائق: معارضة دول مثل ألمانيا، النمسا، والمجر، التي تُعتبر داعمة تقليديًا لإسرائيل، حالت دون تمرير هذه العقوبات.
مراجعة اتفاقية الشراكة الأوروبية-الإسرائيلية
مايو 2025: اقترحت هولندا، بدعم من 17 دولة عضو (من أصل 27)، مراجعة اتفاقية الشراكة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، خاصة الحصار الإنساني الذي تسبب في أزمة إنسانية وصفتها كايا كالاس بـ”الكارثية”.
المادة 2 من الاتفاقية: تُلزم إسرائيل باحترام حقوق الإنسان كشرط لاستمرار الشراكة التجارية، التي تُمثل 45 مليار يورو سنويًا.
الوضع الحالي: المراجعة مستمرة، لكنها تواجه معارضة من دول مثل ألمانيا والمجر، مما يُقلل من احتمالية تعليق الاتفاقية أو فرض عقوبات اقتصادية مباشرة.
الحجج لصالح جدية العقوبات
خطوة غير مسبوقة: استهداف أفراد وكيانات إسرائيلية في 2024 يُعد تحولًا في سياسة الاتحاد الأوروبي، الذي كان تاريخيًا مترددًا في اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل.
ضغط سياسي متزايد: دعم دول مثل هولندا، إسبانيا، أيرلندا، والسويد لمراجعة اتفاقية الشراكة يعكس تغيرًا في الموقف الأوروبي، خاصة مع تصاعد الانتهاكات في غزة.
الضغط الشعبي والدولي: الاحتجاجات في أوروبا، إلى جانب قرارات المحكمة الجنائية الدولية (مثل مذكرات توقيف ضد مسؤولين إسرائيليين في مايو 2024)، دفعت الاتحاد لاتخاذ موقف أكثر صرامة.
تأثير رمزي: العقوبات على المستوطنين، رغم محدوديتها، ترسل رسالة سياسية بأن الاتحاد الأوروبي لن يتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان.
الحجج لصالح “ذر الرماد في العيون”
عدم استهداف الحكومة مباشرة: العقوبات تتركز على أفراد ومنظمات غير حكومية، بينما سياسات الحكومة الإسرائيلية (مثل توسيع المستوطنات والحصار على غزة) لم تُستهدف بشكل مباشر.
محدودية التأثير: العقوبات على المستوطنين لم تُغير من سلوك الحكومة الإسرائيلية، التي واصلت دعم المستوطنات (تمت المصادقة على 12,000 وحدة استيطانية جديدة في 2024).
انقسام الاتحاد الأوروبي: دول مثل ألمانيا (الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل في أوروبا)، النمسا، والمجر تعرقل أي عقوبات جوهرية، مما يُضعف فعالية الإجراءات.
دوافع سياسية: العقوبات قد تكون استجابة للضغط الشعبي والدولي أكثر من كونها استراتيجية لتغيير السياسة الإسرائيلية، خاصة مع استمرار التبادل التجاري الكبير (45 مليار يورو سنويًا).
عدم وجود عقوبات اقتصادية: على عكس العقوبات على روسيا بعد غزو أوكرانيا، لم يفرض الاتحاد عقوبات اقتصادية على إسرائيل، مما يُثير تساؤلات حول الجدية.
البيانات والإحصاءات
حجم التجارة: الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، حيث يُشكل 28.8% من صادراتها و35% من وارداتها (2024).
عدد العقوبات: استهدفت العقوبات 12 فردًا وكيانًا إسرائيليًا منذ أبريل 2024، مقارنة بمئات الأفراد والكيانات في حالات أخرى (مثل روسيا).
معارضة الدول الأعضاء: 10 دول (من أصل 27) عارضت مراجعة اتفاقية الشراكة أو فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين في مايو 2025.
العوامل المؤثرة على موقف الاتحاد الأوروبي
الاعتبارات السياسية
الدول الداعمة لإسرائيل: ألمانيا، التي تُعتبر دعمها لإسرائيل جزءًا من “مصلحة الدولة” بسبب التاريخ المتعلق بالهولوكوست، والمجر، بقيادة فيكتور أوربان، تُعيقان أي عقوبات جوهرية.
الدول المطالبة بالعقوبات: إسبانيا، أيرلندا، هولندا، والسويد تقود الضغط لفرض عقوبات، مدفوعة بالرأي العام والتقارير الأممية عن غزة.
الإجماع المطلوب: أي عقوبات تتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء الـ27، مما يجعل اتخاذ قرارات صارمة أمرًا صعبًا.
الاعتبارات الاقتصادية
الاتفاقية التجارية: تعتمد إسرائيل على الاتحاد الأوروبي في تصدير المنتجات الزراعية، التكنولوجيا، والأدوية. تعليق الاتفاقية قد يُسبب ضررًا اقتصاديًا لكلا الطرفين.
تصدير الأسلحة: دول مثل ألمانيا وإيطاليا تواصل تصدير أسلحة إلى إسرائيل (بقيمة 1.2 مليار يورو في 2023-2024)، رغم دعوات من دول أخرى لتعليق هذه الصادرات.
الضغوط الدولية والشعبية
المحكمة الجنائية الدولية: إصدار مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في مايو 2024 زاد الضغط على الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف أكثر صرامة.
الاحتجاجات الشعبية: مظاهرات واسعة في عواصم أوروبية مثل برلين وباريس ودبلن طالبت بفرض عقوبات على إسرائيل بسبب الحصار على غزة.
التوقعات المستقبلية
مراجعة الاتفاقية: من المرجح أن تستمر المراجعة دون قرارات جذرية حتى يتم التوصل إلى إجماع بين الدول الأعضاء، وهو أمر غير مرجح في المدى القريب بسبب المعارضة.
عقوبات إضافية: قد يتم توسيع العقوبات لتشمل المزيد من المستوطنين أو المنظمات المتطرفة، لكن استهداف وزراء أو الحكومة مباشرة يظل صعبًا.
تأثير الضغط الدولي: قرارات الأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية قد تدفع دولًا أوروبية إلى اتخاذ مواقف أكثر جرأة، لكن ذلك يعتمد على تغيير مواقف دول مثل ألمانيا.
استنتاج
عقوبات الاتحاد الأوروبي الحالية على أفراد وكيانات إسرائيلية تُمثل خطوة رمزية غير مسبوقة، لكنها لا ترقى إلى مستوى استهداف الحكومة الإسرائيلية مباشرة أو تغيير سياساتها. الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء، خاصة معارضة ألمانيا والمجر، إلى جانب الأهمية الاقتصادية للعلاقات مع إسرائيل، تجعل العقوبات تبدو إلى حد كبير كـ”ذر للرماد في العيون”. هذه الإجراءات تهدف إلى امتصاص الضغط الشعبي والدولي دون التأثير الجوهري على سياسات إسرائيل في غزة أو الضفة الغربية. ومع ذلك، استمرار الضغط الدولي والشعبي قد يدفع الاتحاد الأوروبي نحو مواقف أكثر حسمًا في المستقبل.
التوصيات
متابعة مراجعة الاتفاقية: مراقبة نتائج مراجعة اتفاقية الشراكة لتقييم ما إذا كانت ستؤدي إلى إجراءات اقتصادية ملموسة.
تعزيز الضغط الشعبي: دعم الحملات التوعوية لزيادة الضغط على الدول الأعضاء المترددة.
التنسيق الدولي: التعاون مع الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لدعم فرض عقوبات أكثر شمولية.