مقالات

د. محمد أكرم الندوي يكتب: الشيخ محمد سلطان ذوق الندوي

فجعني (ليلة السبت الخامس من ذي القعدة سنة 1446هـ) نعي العالم الثبت والأديب الألمعي والباحث الإسلامي الشيخ العلامة محمد سلطان ذوق الندوي، إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد كان ركنا ركينا من أركان اللغة العربية في بنغلاديش، جامعا بين العلم والأدب، متسما بالاعتدال والتوازن في آرائه ومواقفه، ولينا سمحا.

ولد سنة 1939م، وطلب العلم، واقترب من دار العلوم لندوة العلماء، وأتقن اللغة العربية نطقا وكتابة، ونال الشهادة من تلك الدار ولقب بالندوي، وأحبه الندويون وخاصة شيوخهم الإمام أبو الحسن على الندوي، والسيد محمد الرابع الحسني الندوي، والسيد محمد واضح رشيد الندوي رحمهم الله، ولقد رأوا فيه علما غزيرا، وخلقا كريما، وهمة رفيعة، وتعاليا عن الدنيا، وإقبالا على الفضائل.

وأجازه الشيخ فخر الحسن رئيس المدرسين بدار العلوم بديوبند، والشيخ عبد الودود السنديفي (الراوي عن شيخ الهند)، والشيخ محمد يوسف البنوري، والشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، والعلامة القارئ محمد طيب، وحافظ الحديث الشيخ عبد الله الدرخواستي، والشيخ محمد منظور النعماني، والشيخ معراج الحق، والمفتي محمود الحسن الكنكوهي، وشيوخنا أبو الحسن علي الندوي، وعبد الفتاح أبو غدة، وعبيد الله الأمرتسري، ومحمد عاشق إلهي البرني، وآخرون.

وسعى في نشر اللغة العربية وعلومها في بنغلاديش، وأسس جامعة دار المعارف الإسلامية في شيتاغونغ، واتبع منهج دار العلوم لندوة العلماء في التعليم والوسطية والاعتدال، قال بعض تلاميذه: “من مآثره التي خلدته في صفحات التاريخ هو محاولته الجبارة لإصلاح المنهج التعليمي المروج آنذاك في المدارس القومية الإسلامية، وهو من المعدودين الذين استشعروا بضرورة إصلاح المنهج التعليمي وتجديده في بنغلاديش جمعا بين القديم الصالح والجديد النافع، فقام ودعا إلى سد حاجات العصر ومتطلباته، فنصره من نصر، وعاداه من عادى، فجاءت نتيجة محاولته الخالصة جامعة دار المعارف الإسلامية، تم تأسيسها على الإخلاص والتقوى، وعلى مبدأ الجمع بين القديم الصالح والجديد النافع على غرار ندوة العلماء بلكناؤ في الهند، كل عام تخرج هذه الدار زمرة ذات كفاءة علمية، وفكرة سامية، وتربية صالحة، وذات وعي حول متطلبات المجتمع، وذات استعداد لسد الفراغ، كذلك لا ينسى التاريخ ما بذل من جهود مضنية للحصول على الاعتراف من قبل الحكومة بشهادات المدارس القومية في بنغلاديش. كم من ليال سهرها لأجل هذا الاعتراف، كم من مسافات نائية قطعها لأجل هذا الاعتراف”.

سمعت منه المسلسل بالأولية، والمحبة، وأجازني، ولقيته مرارا في دار العلوم لندوة العلماء، وزرته مع جماعة من العلماء والباحثين في الخامس من ربيع الثاني سنة 1444ه بجامعة دار المعارف الإسلامية في شيتاغونغ، وعقدت الجامعة حفلة تكريم لنا، فألقيت كلمة بهذه المناسبة، كتبت عنها في رحلتي لبنغلاديش.

كان الفقيد رجلا مباركا، حامل لواء العلم، مقربا إلى تلاميذه محببا إليهم، وقد عشق اللغة العربية عشقا قلما يوجد له نظير، ولو أن الأوضاع ساعدته لحول بنغلاديش كلها إلى بلد عربي، وكان كاتبا في العربية قديرا، ذا أسلوب مستقيم، وكان وقورا رزينا، ذا شخصية هادئة، عزوفا عن الدنيا ومباهجها، ومعرضا عن المال ومفاتنه، وشاغلا نفسه بالباقيات الصالحات.

ألا ليبكه العلم والأدب، ولتتفجع المحافل والمجامع، وليسرِ نعيه في البقاع، وحق لبنغلاديش أن تصير أقاصيها وأدانيها مأتما ومناحة، رحمه الله وجزاه خيرا وبرا بقدر ما خدم دينه ولغة القرآن والعلوم الإسلامية.

د. محمد أكرم الندوي

عالم ومحدث، من أهل جونفور الواقعة ضمن ولاية أتر برديش الهندية. وباحث في مركز أوكسفورد للدراسات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى