بعد أكثر من عام على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بدأت ملامح تحرك أميركي جديد تتشكل على الأرض. فمع تعيين مبعوث خاص جديد، توم بيرييلو، وزيادة الانخراط الدبلوماسي والمساعدات الإنسانية، تطرح التساؤلات مجددًا: هل تنجح واشنطن في كسر الجمود وتحقيق اختراق حقيقي في مسار السلام السوداني؟
المبعوث الأميركي لم يتردد في التصريح بأن هناك “غيابًا للإرادة السياسية لدى الطرفين”، لكنه مع ذلك دفع نحو استئناف مفاوضات جنيف، بالتنسيق مع الأمم المتحدة وعدة أطراف إقليمية. وجاءت هذه الخطوة بعد أشهر من تعثر مسار جدة الذي رعته السعودية والولايات المتحدة سابقاً، دون نتائج حاسمة.
وفقًا لـ”اندبندنت عربية”، فإن بعض القوى في الداخل السوداني، وفي مقدمتهم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، رحّبوا بالتحرك الأميركي، واعتبروه “خطوة كبيرة نحو سلام شامل”، بينما وصفه مراقبون دبلوماسيون بأنه تحرك متأخر لكنه قابل للبناء عليه.
من جانب آخر، أشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن واشنطن تواجه تحديًا مضاعفًا، إذ لم تعد اللاعب الدولي الوحيد في المشهد. فالدور الروسي، والدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، إضافة إلى التغلغل الصيني الاقتصادي، كلها عناصر تُقيد الحركة الأميركية وتقلل من تأثيرها المباشر.
وفي قراءة أعمق نشرها موقع “الأناضول” العربي، وُضعت التحركات الأميركية في إطار تنافس جيوسياسي أوسع، لا سيما مع محاولة الولايات المتحدة تثبيت نفوذها في منطقة القرن الإفريقي.
ويرى محللون أن واشنطن تسعى لإعادة صياغة توازن القوى في السودان، لا فقط لأجل وقف الحرب، بل أيضًا لضمان ألا يتحول البلد إلى قاعدة نفوذ روسي أو صيني.
لكنّ هذه القراءة لا تحظى بإجماع. ففي تحليل نُشر على موقع “العربي الجديد”، اعتُبر أن التوجه الأميركي قد يكون أقرب إلى “إدارة الأزمة” لا إنهائها، مستشهدًا بإصرار واشنطن على إطلاق محادثات جديدة رغم غياب طرف رئيسي كقيادة الجيش، واستمرار الانتهاكات الموثّقة على الأرض من الطرفين.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن عن أكثر من 200 مليون دولار كمساعدات إنسانية، ورفعت بعض القيود السابقة عن الدعم المدني، تساءلت أصوات سودانية على منصات تواصل مثل Reddit وX (تويتر سابقاً) عمّا إذا كان هذا التحرك كافيًا بالفعل، أم أنه “تحسين صورة لا أكثر”.
الأكيد، كما يرى مراقبون في “شفقنا العربي”، أن التوجه الأميركي الجديد يمثل اختبارًا حقيقيًا ليس فقط لمدى التزام واشنطن بدعم السودان، بل أيضًا لقدرتها على التنسيق مع القوى الإقليمية المتصارعة حول الملف السوداني، وعلى رأسها السعودية، الإمارات، مصر، وإثيوبيا.
وبينما تتفاوت التقديرات، يبقى الموقف الأميركي اليوم أحد أبرز مؤشرات المسار المقبل للصراع السوداني. فإما أن يتعزز بضغط فعلي ووساطة شاملة تُراعي خصوصية المرحلة، أو أن ينتهي إلى مبادرة جديدة تُضاف إلى أرشيف المحاولات غير المكتملة.