صدر حديثا عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن كتاب “نهضة الصِّين: مقاربات في التّنمية والمجتمع وبناء المستقبل” للكاتبة السورية الدكتورة لجين سليمان”، سردت فيه الكاتبة مذكراتها في الصين على مدار ست سنوات قضتها هناك في دراسة الدكتوراة في الهندسة المدنية في “جامعة تشونغشينغ”. كما نقلت لنا مظاهر تطور الصين في الفترة ما بعد الحرب اليابانية عليها حتى يومنا هذا مستشهدة بمراجع موثوقة وبمشاهداتها الفعلية أثناء إقامتها هناك.
تقول الكاتبة في مقدمتها: “دخلتُ هذه البلاد مُتَردّدةً خائفةً من كُلّ شيءٍ، أخشى كُلّ ما فيها؛ لأنَّه يمثّل المجهول، مجهولٌ اتَّبعته كي أحقّق طموحاً بات من الصَّعب تحقيقه في بلادي التي أُحب، مؤمنةً أنّه مع كُلّ عثرةٍ تُخلَق فرصةٌ، وفي كُلّ محنةٍ لا بدَّ من وجود عبرةٍ. وأمَّا اليوم، بعد أن أمضيتُ في الصّين ست سنواتٍ متواصلةً، فإنَّني تعلّمْتُ كثيراً! وأهمُّ ما تعلمته هو الوصفة الصّينيَّة لعلاج أيّ مشكلة، ألَا وهي مُثلَّثٌ من ثلاث نقاطٍ: (الألم، والأمل، والصَّبر)، ورُبَّما قد يكون هذا هو العلاج الذي اتَّبعتُه الصّين للوصول إلى ما هي عليه اليوم”.
تحدثت عن تطور الحكم والسياسة بدءاً من عهد كونفوشيوس الذي لم يطالب الحُكَّام الذين وصلوا إلى الحكم بِطريق الوراثة بالتَّخلّي عن عروشهم، بل حاول أن يقنعهم بأنَّ الواجب عليهم أن “يملكوا ولا يحكموا”، وأن يسندوا السُّلطاتِ الإداريَّة كافَّةً إلى الوزراء المختارين وفقاً لمؤهلاتهم، مروراً بالاشتراكية الصينية التي تختلف عن اشتراكية روسيا، فالتجربة الاشتراكية الصينية لا تعتمد في قراراها على الفرد بل على المشورة الجماعية، وهذا سر نجاح الاشتراكية الصينية.
كما تحدثت عن مفهوم الرخاء المشترك الذي طبق في الصين على مستويات سبع وأدى إلى تطورها ورفع المستوى المعيشي لشعبها، وهي:
· التَّركيز على إنشاء اقتصادٍ عالي الجودة مع التَّركيز على التَّوزيع العادل للثروة.
· إقَامَة خدماتٍ اجتماعيَّةٍ عالية الجودة، والتَّشارك بها عبر دورة حياةٍ اجتماعيَّةٍ تلبّي حاجات مختلف الشَّرائح العمريَّة.
· التَّركيز على البنى التَّحتيَّة النَّاعمة مثل الخدمات الطبّيَّة والثّقافيّة.
· العمل على استمرار التّنمية الرّيفيّة لتضييق الفجوة بين الرّيف والمدينة بحيث يحيا الفلَّاح الصّينيّ حياةً أفضل.
· ربط التّنمية المادّيَّة بالتّنمية الفكريَّة، وهو ما تعبّر عنه الصّين بضرورة تنمية الفكر والجيب.
· تحقيق الانسجام بين الإنسان والطّبيعة، وذلك من خلال خلق بيئةٍ صديقةٍ.
· بناء الحوكمة الرَّقميَّة، ومجتمعات المدن الذَّكيَّة.
وأما الهدف الرئيسُ من هذا البرنامج فَهو جَعْل فئة الدَّخل المتوسّط تتجاوز 800 مليون بحلول عام 2035، وبِخاصَّةٍ أنّ توسيع فئة الدَّخل المتوسّط مطلباً حتميّاً للحفاظ على الانسجام الاجتماعيّ، والاستقرار الوطنيّ على المدى الطَّويل.
ورغم اتساع الفجوة بين سوريا والصين في كل المجالات إلا أنها كشفت عن معتقد مشترك بين بعض السوريين وبعض الصينيين، فقالت: “التقيت مرةً بأستاذٍ جامعيّ مختصّ بالتُّراث والشُّؤون الثّقافيّة، تبادلنا الأحاديث حول مواضيع متعدّدةٍ كان منها بعض الأساطير القديمة التي كانت منتشرةً منذ زمنٍ بعيدٍ جداً في عدَّة مدنٍ في الصّين، إذ كان سُكّان بعض المناطق يعتقدون بوجود حياةٍ أخرى بعد الموت. وقد أخبرته بأنَّ بعض الفئات في سوريا تؤمن بالشَّيء ذاته”.
تحدثت الكاتبة أيضا عن خطط القضاء على الفقر في الصين وتطوير البنى التحتية وإدراج التكنولوجيا في مختلف القطاعات والاكتفاء الذاتي في الغذاء والصناعات والتعليم واستقطاب الخبرات، وتحدثت عن حل مشكلة الطاقة وهي المشكلة الأكبر عالميا، فقد أحسنت الصين استغلال الطاقة الشمسية بتوليد الطاقة حتى أنها حصدت المركز الأول في توليد الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وحرصها على تحقيق التنمية المستدامة في كل المجالات التي عملت عليها.
تنقل الكاتبة هذه الخبرات النهضوية لنا على أمل الاستفادة منها في تطوير بلداننا العربية وهي تشعر بمرارة الاستخفاف بالشعوب العربية وبقدراتهم قائلة: “قد يكون من أصعب المواقف التي نعيشها نحن أبناء الدُّول المتأخّرة هي أن نولد في بلادٍ نحبُّها كثيراً، وقد لا نحبّ بلاداً سواها، إلَّا أنّ محبتنا لا تغيّر من أنَّها قاعٌ يسحب أبناءه إلى الوراء كلّما تقدّمت بنا الحياة”.