تواجه آلاف العائلات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة تهديداً متصاعداً بالعطش، نتيجة تصاعد هجمات المستوطنين الإسرائيليين على مصادر المياه الحيوية. وقد تسبّب الهجوم الأخير على شبكة عين سامية، التي تغذي أكثر من 110 آلاف نسمة، بانقطاع المياه عن عدة قرى لفترة، ما كشف هشاشة البنية التحتية المائية في الأراضي الفلسطينية.
في قرية كفر مالك شرقي رام الله، يراقب المشرف الفني صبحي عليان الضغط في الأنابيب المتصلة بعين سامية، بعد أن أقدم مستوطنون مسلّحون على تخريب المضخات وخطوط المياه، في واحدة من سلسلة اعتداءات منظمة تهدف، بحسب السكان، إلى فرض واقع مائي جديد يسهل معه ضم الأراضي.
لا تُعد حادثة عين سامية معزولة؛ إذ وثّقت منظمات حقوقية مثل “بتسيلم” و”بتسيلم الدولية” استيلاء مستوطنين على ينابيع مياه في الأغوار مثل عين العوجا، وتحويل مجراها للاستعمال الاستيطاني. ويرى خبراء أن هذا النمط من الهجمات يتجاوز التخريب العرضي، ويشكّل أداة استراتيجية لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم عبر الضغط المائي.
عيسى قسيس، رئيس مجلس إدارة مصلحة مياه القدس، اعتبر أن “تقييد حق الفلسطينيين في المياه أحد أوجه الحرب الصامتة”، مضيفاً أن “تجفيف المناطق هو مقدمة للتهجير الجماعي تحت ضغط العطش”.
تُظهر البيانات وجود فجوة هائلة بين الفلسطينيين والمستوطنين في الوصول إلى المياه. ففي حين يحظى المستوطنون بتدفق يومي مستقر، لا يحصل سوى 36% من سكان الضفة الغربية على مياه جارية بشكل منتظم، وفق تقرير صادر عن “بتسيلم” في 2023. أما حفر الآبار فهو شبه محظور بموجب القوانين العسكرية الإسرائيلية، خصوصاً في المناطق المصنفة “ج” التي تمثل أكثر من 60% من مساحة الضفة.
في قرية دورا القرع، التي تعتمد جزئياً على عين سامية، يقول رفيع قاسم، عضو المجلس القروي: “منذ ثلاثين سنة لم نعد نزرع أراضينا. الماء شحيح، والأمل يتناقص كل موسم جفاف”. وتابع: “الحكومة الإسرائيلية تمنعنا من حفر الآبار، والأمم المتحدة ترفض التمويل بسبب القوانين الإسرائيلية، ما يجعلنا في حلقة مغلقة من العجز المائي”.
منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، تصاعدت دعوات اليمين الإسرائيلي المتطرف لضم الضفة الغربية رسميًا. وأعلن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش صراحة أن عام 2025 سيكون “عام فرض السيادة الكاملة على أراضي الضفة”. ويأتي استهداف البنية المائية الفلسطينية كجزء من هذه السياسة، عبر تقويض مقومات الصمود المحلي.
رغم اعتماد الفلسطينيين على أنظمة مراقبة لضغط المياه ومراقبة التدفق، فإن الانتهاكات المتكررة تجعل أعمال الصيانة محفوفة بالمخاطر. ويؤكد عليان أن الطواقم تخشى التوجه للموقع حتى في حالات الطوارئ، “لأن السلامة غير مضمونة، والحماية معدومة”.