في صباحٍ ليبيّ ككل الصباحات، نهض أحمد الشارف من فراشه، تناول إفطاره على عجل، وربما قبّل جبين والدته قبل أن يغادر، كما اعتاد كل صباح. لم يكن يعلم أن هذا اليوم، الخميس، سيكون رحلته الأخيرة، وأن قلبه النابض بالحياة سيصمت تحت وابل من الرصاص، في شارعٍ عام، في وطنٍ يتقاطع فيه ضوء النهار مع سواد الفوضى.
كان أحمد، شابًا في مقتبل عمره، يقود سيارته متجهًا إلى مقر عمله في منطقة جنزور، غرب العاصمة طرابلس، حين اعترض طريقه أربعة مسلحين. أرادوا شيئًا بسيطًا في أعينهم… سيارة، لكنها كانت كل شيء بالنسبة له. لم يستسلم، ضغط على دواسة البنزين وهرب، دون أن يدري أن الوحوش التي لاحقته لا تعرف الرحمة، ولا تقرأ وجوهًا فيها ملامح الأبناء.
لاحقوه بلا وازع، وأطلقوا الرصاص عليه بدم بارد. لم يُمهلوه حتى يترجل، لم يسألوه اسمه، لم يمنحوه لحظة رجاء، فقط قرروا أن ينزعوا منه حياته كما تُنتزع ملكية من يد فقير.
فقد أحمد السيطرة على المقود، واصطدمت سيارته بشاحنة لنقل القمامة، بينما كاميرا مراقبة من محلٍ قريب وثّقت اللحظة… لحظة توقف الزمن، لحظة سقط فيها إنسان لأنه لم يرضخ لصوص النهار.
قُتل أحمد، لكن صدى موته دوّى في ليبيا كلها. ساد الغضب والذهول مواقع التواصل، وتحول اسمه إلى صرخة في وجه واقع تتغذى فيه الجريمة على غياب الدولة. كتب المدوّن خليل الحاسي: “لسنا أمام جريمة عابرة، بل أمام نمط قاتل لفوضى تسكن شوارعنا”، بينما دوّن حمزة الأحمر: “أحمد لم يُقتل فقط، بل قُتل ضمير المجتمع معه، والرصاصة أصابت كل من بقي صامتًا”.
وفي ظل هذا الاحتقان، أعلنت مديرية أمن جنزور أنها ألقت القبض على الجناة في وقت قياسي، وأحالتهم إلى التحقيق. لكن هل يكفي هذا؟ هل يكفي القبض على أربعة ليعود الأمان إلى شوارع تُدار بالسلاح؟
أحمد الشارف، لم يكن ضحية صدفة، بل كان مرآة لوطنٍ يُقتل فيه الإنسان في وضح النهار… ويُدفن الحلم تحت عجلات العنف، بين رصاص المجرمين وصمت الدولة.