“عواصفُ الرماد”.. شعر: محمود شحاتة

مِن أيِّ عَهدٍ تُستبَاحُ دِمَا قُريشْ؟
مِن بَعدِ أن جَفَّت بِوَادي النَّازحينَ
جَميعُ أغصَانِ الشَّجرِ
طُوبَى لِمَن أَلِفَ الخِيَانَةِ
واستَطَابَ الذُّلَّ نَهجًا
عِندَ سُلطانِ الغَجَرْ
طُوبَى لِمَن نسَجَت يَداهُ
قَلائدَ الذَّهبِ المُوَشَّى
حَولَ أعنَاقِ البَقَر
طُوبَى لِمَن جَعلَ الغِوايةَ جَنَّةً
والشَّوقَ أغنيةً عَلى شَفَةِ القَدَر
والحقَّ غَدراً، والثَّباتَ جِنَايَةً
نَكراءَ، آخرُ أمرِهَا
نَزَقٌ وَطَيْش
مِن أيِّ عَهدٍ تُستبَاحُ دِمَا قُريشْ؟
***
مَا لِلسُّيوفِ كَليلَةً
بِيَدِ الفَوارسِ
بَعدَمَا رَحَلَ المَغول؟
ما عَادَ يُطربُهَا الصَّليلُ
عَلى الثُّغُورِ
وَلَم تَعُد تَجري
لِغَايَتِها الخُيُول
دَقَّت طُبُولُ الحَربِ
حَولَ رُبُوعِنا
لَكنَّنا مِن عَجزنا
لَم نَستَمع دَقَّ الطُبُول
والذُّلُّ مَوتٌ ياضَعيفَ النَّفسِ
يَعرفُ طعمَهُ الوَطَنُ الذَّليل
كَم للعَدُوِّ بأرضِنَا
من ألفِ قَاعِدةٍ وَجَيش
مِن أيِّ عَهدٍ تُستبَاحُ دِمَا قُريشْ؟
***
بَكَتِ الحَرائرُ في الخَليلِ
ولَم يَعُد في وُسعِهِنَّ
سُوى الصِّيَاح
يَبكينَ من هَولِ الفَضَيحَةِ
والعَدُوُّ مُدَجَّجٌ
والبَطشُ غَايَتُهُ
ورُعبُ المَوتِ لاح
صَرَخَاتُهُنَّ – ولا مُغيثَ – مِن الهَلاكِ
ذَهَبن أدراجَ الرِّيَاح
وَقَفَ الأعزَّةُ صَامِدينَ
وَفِي أكُفِّهمُ السِّلاح
وَمَضَوا كَمَا يَمضِي الغَريبُ
عَنِ الحَيَاةِ فَلَم يَطِبْ
مِن بَعدِهم للنَّاسِ عَيْش
مِن أيِّ عَهدٍ تُستبَاحُ دِمَا قُريشْ؟
***
طُرُقُ الحَقيقَةِ وَعْرَةٌ
والسَّيرُ في أحراجِهَا لَيلاً مُحَال
فَدَعِ الحَقيقَةَ جَانِباً
واسلُك بِنَا سُبُلَ الخَيَال
واكُتب عَلى بَابِ المَدينَةٍ
(لَم يَزَلْ مُستَعصِياً)
إلا عَلَى عَزمِ الأُبَاةِ
مِن الرِّجَال
لَن يَبلُغَ الجَيشُ المَدينَةَ فَاتِحًا
حتَّى يَموتَ أبورِغَال
ليَعيشَ قَومٌ
قَد مَضَت أعمَارُهُم
مَا بَينَ أوتَادٍ وَخَيْش
مِن أيِّ عَهدٍ تُستبَاحُ دِمَا قُريشْ؟