د. أنور الخضري يكتب: المقاتلون الأجانب.. حلال هنا حرام هناك.

قدمت الإدارة السورية الجديد طلب الانضمام للتحالف الدولي، الخاص بمحاربة داعش في سوريا والعراق، والذي تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن هذا الطلب رفض في ظل وجود عناصر “أجنبية” في تكوين القوات السورية الحالية. وقد سبق أن طالبت الولايات المتحدة من الإدارة السورية الجديدة إخراج هؤلاء المقاتلين لا من المؤسستين العسكرية والأمنية بل ومن سوريا كلية.
ويقصد بهؤلاء “الأجانب”، المقاتلين المسلمين من غير السوريين الذين تركوا أوطانهم وبلدانهم نصرة للشعب السوري وثورته ضد نظام الإجرام النصيري الخبيث، والذي قتل خلال عقد واحد أكثر من مليون شخص، وهجر أكثر من عشرة ملايين شخص من ديارهم بل وربما من سوريا كلها. هؤلاء المقاتلون الذين ضحوا بأرواحهم وأعمارهم مع قلة العون والمدد كانوا هم العامل الأكثر تأثيرا في كسر شوكة النظام النصيري الذي عملت دول عربية وغربية على ترميمه وإعادة تسويقه للبقاء.
إن مطالبة واشنطن بإخراج هؤلاء المقاتلين من سوريا ليس حرصا على أمن سوريا واستقرارها وهي التي كانت ترى النظامين العراقي الموالي لإيران والسوري المتحالف مع إيران يستقدمون المقاتلين الشيعة من مشارق الأرض ومغاربها دون أن تنبس ببنت شفة، فقط رأت في هؤلاء خطرا عندما دخل محور إيران في مواجهات مع الكيان المحتل، أما عندما كانوا يقاتلون أهل السنة والشعبين العراقي والسوري فالأمر قابل لغض الطرف عنه.
علما بأن كثيرا من المقاتلين في الجيش الأمريكي وبعض الدول الأوربية هم بالأساس مقاتلون مرتزقة أو أجانب ضم منحهم الجنسية في مقابل القتال في الجيش. فظاهر المقاتلين الأجانب موجودة قبل الإدارة الجديدة وغض الطرف عنها، وهي موجودة في بعض جيوش دول التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فلماذا يكون حلالا لهؤلاء حراما على الإدارة الجديدة.
بالطبع، فإن هذا الطلب ليس عفويا ولا ساذجا، فالولايات المتحدة تريد تحقيق وضمان ما يلي:
١- منع التعاطف الإسلامي الإسلامي بين شعوبنا المسلمة، وإيقاف أي قتال نصرة على الحق والعدل، بحيث تواجه الشعوب المسلمة قدرها محاصرة كما هو حال غزززة.
٢- تغييب شعور الوحدة الإسلامية بين أبناء الأمة المسلمة وتعزيز المفهوم الوطني ولو على حساب الدين، فالإدارة الجديدة تواجه ضغوطا لتأمين ورعاية وإشراك الأقليات مهما كان جرمها وعداوتها للشعب وللإسلام لمجرد عيشها على أراضي الوطن، في حين ترحل اليوم الولايات المتحدة المقيمين وتعتقل المواطنين لتعاطفهم مع شعب أعزل يباد من قبل حليف لواشنطن!
٣- عدم خلق بؤرة جهاد إسلامي في سوريا، فالدول الغربية تتخوف وهي تعمد إلى مواجهة الأمة وتفكيك كياناتها وتدمير دولها ونهب ثرواتها لقيام كتلة جهادية تستقطب المجاهدين من أنحاء العالم، خصوصا في سوريا. كل ذلك تأمينا لإسرائيل والقوى الغربية الساعية لفرض وجودها العسكري عبر قواعد وجيوش ومليشيات موالية خلال السنوات القادمة. فالغرب منذ عام ١٩٩٠م رفع حجم ومستوى حضوره العسكرية حد القول بوجود احتلال أجنبي جديد تحت لافتات ومبررات عدة، وصبغة قانونية تمنحها الأنظمة العميلة لها.
٤- طرد المقاتلين في سوريا إلى بلدانهم ردعا لهم ولأمثالهم، أو إبقاءهم في سوريا كأفراد عاديين إلى حين إزاحة الإدارة الجديدة ومن ثم اعتقالهم وتسليمهم للتحالف الغربي أو دولهم أو القضاء عليهم.
٥- إدخال الإدارة الجديدة في صراع مع هؤلاء المقاتلين الأجانب ومن ثم تحويلهم لألغام في مسيرتها، ذلك أنهم حال إخراجهم من سوريا أو إبقائهم دون ضمانات سيواجهون أخطار وجودية.
وفي جميع الأحوال فالدول الغربية ليست ناصحة للإدارة السورية والشعب السوري وللمسلمين عموما، وهي تسعى لإضعافهم سواء قاتلوا بأنفسهم كما هو حاصل في غزة حيث تم الاستفراد بهم أو قاتلوا مع إخوانهم الذين يأتون لنصرتهم. وفي حال رضخت الإدارة الجديدة للمطالب الغربية فإنها بذلك ستضرب أول مسمار في نعش زوالها.