الأمة الثقافية

قراءة في كتاب “النميمة: نبلاء وأوباش ومساكين” للكاتب سليمان فياض

كتاب “النميمة: نبلاء وأوباش ومساكين” للأديب المصري الراحل سليمان فياض (1929-2015) يُعدّ واحدًا من الأعمال الأدبية اللافتة التي أثارت جدلًا واهتمامًا في الأوساط الثقافية العربية. يقدم الكتاب، الذي صدرت طبعته الأولى عام 1975 وأُعيد نشره لاحقًا عن دار ميريت، صورًا أدبية أو “بورتريهات” لشخصيات ثقافية وأدبية عاصرها فياض، ممزوجة بأسلوب سردي يجمع بين التوثيق التاريخي، القصص، والسيرة الذاتية. يُعتبر الكتاب محطة بارزة في فن كتابة البورتريه الأدبي، متأثرًا بتقليد أدبي قديم يعود إلى أعمال الجاحظ، مع لمسة حديثة تجمع بين النقد الاجتماعي والفكاهة الساخرة.

مضمون الكتاب

يتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء رئيسية نُشرت في الأصل بشكل منفصل تحت عناوين “المساكين” و”نبلاء وأوباش”، ثم جُمعت لاحقًا في كتاب واحد بعنوان “النميمة”. يرصد فياض من خلال هذه الأجزاء نماذج متنوعة من المثقفين والأدباء المصريين وبعض العرب، مقدمًا صورًا لشخصيات حقيقية عاصرها، بعضها بأسماء صريحة مثل يحيى حقي، محمد مندور، وأنور المعداوي، وبعضها بأسماء مستعارة أو رمزية مثل “التمرجي”، “الفأر”، و”عازف الفلوت”. يتجنب فياض ذكر أسماء بعض الشخصيات، خاصة عند تناول سلبياتهم، ليحافظ على مسافة أخلاقية ويتفادى النميمة الفضائحية.

الكتاب ليس مجرد سلسلة من القصص أو الانطباعات الشخصية، بل هو محاولة لرسم لوحة اجتماعية وثقافية للمشهد الأدبي المصري في منتصف القرن العشرين. يعكس الكتاب تناقضات المثقفين، بين طموحاتهم الفكرية وصراعاتهم الشخصية، ويسلط الضوء على قضايا مثل الفصام النفسي، الشعور بالاضطهاد أو العظمة، والتوتر الذي يصاحب حياة المبدعين.

الأسلوب الأدبي

يتميز أسلوب سليمان فياض في “النميمة” بالسلاسة والوضوح، مع لمسة من السخرية الراقية التي تضفي خفة ظل على النص. يعتمد فياض على لغة نقية خالية من الترهل، وهو ما يتماشى مع سمعته كأحد أبرز كتاب القصة القصيرة العربية. يمزج بين السرد القصصي والتحليل النقدي، مستخدمًا تقنيات سردية حديثة مثل تعدد الأصوات وتنوع الأساليب اللغوية. هذا التنوع يجعل الكتاب ممتعًا للقارئ العادي ومثيرًا للاهتمام للباحث الأدبي على حد سواء.

يبرز في الكتاب أيضًا حس فياض التاريخي، حيث يوثق أحداثًا ووقائع عاشها أو شهدها، مثل قصة الكلمة التي “قتلت” صلاح عبدالصبور أو الموقف الطريف بين فياض ونجيب محفوظ. هذه القصص ليست مجرد حكايات، بل تحمل في طياتها نقدًا للسلوكيات الثقافية والاجتماعية التي كانت سائدة في تلك الفترة.

نقاط القوة

الجرأة والشجاعة: يُظهر فياض شجاعة أدبية في تناوله لشخصيات بارزة، سواء بالمدح أو النقد. على عكس الكثير من الكتاب الذين يميلون إلى الرياء أو المدح المبالغ فيه، يحافظ فياض على مسافة نقدية تجعله يقدم صورًا متوازنة.

التوثيق الثقافي: يُعتبر الكتاب وثيقة ثقافية مهمة تُسلط الضوء على أجواء الحياة الأدبية في مصر خلال عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، مما يجعله مرجعًا قيمًا للباحثين.

الأسلوب الجذاب: مزيج السخرية والجدية، إلى جانب اللغة الرصينة، يجعل الكتاب ممتعًا وسهل القراءة.

العمق الإنساني: ينجح فياض في تقديم شخصياته كبشر يعانون من التناقضات، مما يجعل القارئ يتعاطف معهم حتى في لحظات ضعفهم.

نقاط الضعف

التجهيل المُحيّر: استخدام الأسماء المستعارة لبعض الشخصيات قد يُربك القارئ، خاصة من لا يعرف السياق الثقافي المصري في تلك الفترة. هذا التجهيل، رغم أنه يعكس حرص فياض الأخلاقي، قد يُقلل من وضوح النص.

التشتت في بعض الفصول: نظرًا لأن الكتاب يجمع مقالات نُشرت في أوقات مختلفة، قد يشعر القارئ ببعض التشتت أو عدم الترابط بين الفصول.

التوقعات المُبالغ فيها: بسبب العنوان الجذاب “النميمة”، قد يتوقع بعض القراء فضائح شخصية أو قصص مثيرة، لكنهم يجدون عملًا أكثر جدية وعمقًا مما قد يُخيب آمالهم إذا كانوا يبحثون عن الإثارة السطحية.

أهمية الكتاب

يُعتبر “النميمة” إضافة نوعية إلى فن كتابة البورتريه الأدبي، متابعًا خطى أعمال كلاسيكية مثل “التربيع والتدوير” للجاحظ، ولكنه يقدم رؤية حديثة تركز على التحولات الاجتماعية والنفسية للمثقف العربي. الكتاب لا يكتفي بالسرد، بل يقدم نقدًا ضمنيًا للثقافة المصرية والعربية، مُسلطًا الضوء على التناقضات بين الصورة العامة للمثقف وواقعه الإنساني.

كما أن الكتاب يُبرز دور فياض كشاهد يقظ على عصره، حيث كان صديقًا لأعلام مثل يوسف إدريس، أمل دنقل، ونجيب محفوظ، وعمل في قلب الحركة الثقافية المصرية كصحفي ومحرر في مجلات بارزة مثل “الإذاعة والتلفزيون” و”إبداع”. هذا الموقع جعله مؤهلاً لتقديم شهادة حية عن تلك الفترة.

تقييم القراء

حظي الكتاب بتقييمات إيجابية من القراء والباحثين، حيث أشادوا بجرأته وأسلوبه الشيق. على منصات مثل Goodreads، حصل الكتاب على تقييمات تتراوح بين 3.5 إلى 4 نجوم، مع تعليقات تُبرز قدرة فياض على تقديم صور حية ومثيرة للجدل. بعض القراء، مثل من شاهدوا توصية بلال فضل على يوتيوب، أعربوا عن توقعهم لمزيد من “الأسرار”، لكنهم وجدوا في النهاية عملًا أدبيًا متكاملًا يتجاوز النميمة السطحية إلى تحليل عميق للشخصيات.

الخاتمة

“النميمة: نبلاء وأوباش ومساكين” لسليمان فياض هو عمل أدبي متميز يجمع بين المتعة القرائية والعمق الفكري. ينجح الكتاب في تقديم صورة بانورامية للمشهد الثقافي المصري في فترة حاسمة من تاريخه، معتمدًا على أسلوب سردي ممتع وحساسية إنسانية عالية. رغم بعض التحفظات حول التجهيل أو التشتت، يبقى الكتاب وثيقة أدبية وتاريخية لا غنى عنها لكل مهتم بالأدب العربي الحديث.

المؤلف

محمد سليمان عبد المعطي فياض

الميلاد: 7 فبراير 1929م، قرية برهمتوش، مركز السنبلاوين، محافظة الدقلهية (مصر)

الوفاة: 26 فبراير 2015 (86 سنة) القاهرة

حاز على شهادة العالية من كلية اللغة العربية (الدراسات العربية) بجامعة الأزهر 1956م.

حاز على شهادة العالية من الإجازة في التدريس (تعادل درجة الماجستير) من الكلية نفسها 1959م.

أهم المؤلفات:

عطشان يا صبايا، قصص قصيرة، 1961م.

وبعدنا الطوفان، قصص قصيرة، 1968م.

أحزان حزيران، قصص قصيرة، 1969م.

العيون (قصص قصيرة).

زمن الصمت والضباب (قصص قصيرة).

وفاة عامل مطبعة (قصص قصيرة).

الذئبة (قصص قصيرة)

ذات العيون العسلية، قصص قصيرة، 1992م.

القرين ولا أحد (روايتان قصيرتان).

الصورة والظل والفلاح الفصيح (روايتان قصيرتان).

أيام مجاور، رواية، 2009م.

السير الأدبية والتاريخية العلمية:

ابن النفيس.

ابن الهيثم.

البيروني.

جابر بن حيان.

ابن البيطار.

ابن بطوطة.

ابن سينا.

الفارابي.

الخوارزمي.

الإدريسي.

الدميري.

ابن رشد.

الطوسي.

ابن ماجد.

القزويني.

ابن يونس.

الخازن.

الجاحظ.

أبن خلدون.

الزهراوي.

الأنطاكي.

ابن العوام.

معاجم وقضايا لغوية:

معجم الأفعال العربية المعاصرة .

الدليل اللغوي .

أنظمة تصريف الأفعال العربية.

الأفعال العربية الشاذة.

جموع التكسير.

الجوائز التي حصل عليها

جائزة الدولة التشجيعية عام 1970م، من المجلس الأعلى للآداب والفنون والعلوم الاجتماعية عن مجموعته القصصية الثانية «وبعدنا الطوفان».

جائزة الشاعر سلطان العويس من الإمارات العربية المتحدة عام 1994م، في حقل القصة .

جائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002م

كرمته ديوان العرب بمنحه درع المجلة في الرابع من تموز 2006م تقديرا لجهوده الأدبية.

جائزة كتابي عن مؤسسة الفكر العربي 2013م عن سلسلة علماء الحضارة الإسلامية الصادرة عن دار الشروق.

تكريم اقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافى الروائى خلال فعاليات المؤتمر الادبى الرابع عشر عام 2013م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى