غياب ملف التطبيع عن جولة ترامب الخليجية يكرس التوتر مع نتنياهو
الصفقات التجارية والعقارية الملف الأهم

استغربت الدوائر الصهيونية خلال الأيام الماضية ،عددا من التطورات التي لعب فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دورا محوريا بداية من إبرام اتفاق مع الحوثيين يوقف الحرب في اليمن دون العودة لتل أبيب.
وزاد الاستغراب من انخراط في محادثات سرية مع حركة حماس اسفرت عن إطلاق سراح الأسير الأمريكي الصهيوني عيدان الكسندر المحتجز لدي حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ 7اكتوبر 23في تأكيد علي أن سياسة تجاهل حماس وإبعاده عن بؤرة الصراع ،لم تعد مفضلة لدي الإدارة الجمهورية
ووصل الاستغراب مداه مع غياب ملف التطبيع بين الكيان ودول خليجية في مقدمتها المملكة العربية السعودية عن أجندة ساكن البيت الأبيض خلال جولته الخليجية ،وهو الملف الذي كان يوليه ترامب في ولايته الأولي اهتمام كبيرا توج بتوقيع اتفاقات ابراهام وهو ما سار عليه خلفه بايدن وتعهد ترامب بإعادة ضخ الدماء في عروق التطبيع في ولايته الثانية .

ولكن يبدو أن التباعد بين مواقف ترامب ورئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ،وعدم تماهي الأخير مع مساعي ترامب لإنهاء الحرب في غزة بعد إخفاق نتنياهو في حسم المعركة مع المقاومة الفلسطينية ، فضلا عن عدم تعاطي حكومته الإيجابية مع الشروط التي وضعتها السعودية لتطبيع العلاقات مع الكيان .
وعلي رأس هذه الشروط إطلاق مسار سلام يفضي في النهاية إلي قيام دولة فلسطينية، قد كرس التباعد بين مواقف ترامب ونتنياهو.
فترامب الذي كان يمني نفسه بحالة من الهدوء تسود غزة وتكرس نوعا من الاستقرار الهش في منطقة الشرق الأوسط تسمح لترامب وعائلته ورجال المال والأعمال المقربين منه بإبرام صفقات أسطورية مع بلدان الخليج
وقد دفعت كل هذه التطورات الرئيس الجمهوري لنفض يديه من نتنياهو والتركيز علي مصالحه الخاصة ومصالح واشنطن، دون الوضع في الاعتبار رغبات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب.
وقد عززت الأنباء التي تدوالتها العديد من الصحف الغربية عن استثمار المملكة العربية السعودية لأكثر من تريليون دولار خلال عشر سنوات في الداخل الأمريكي ناهيك عن السخاء الإماراتي القطري ،الذي ترددت أنباء اليوم عن تقديم الدوحة هدية عبارة عن طائرة يستخدمها ترامب في رحلاته تتجاوز 500مليون دولار بشكل يعزز من نفوذ دول الخليج في صنع السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة القادمة .
فدول الخليج الراغبة رغم كل شئ في وقف الحرب في غزة رغم اختلاف مواقف أغلبها مع وجهة نظر المقاومة الفلسطينية، تجد نفسها في حرج بالغ مع الرفض الشعبي لاستمرار جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة لأكثر من 18شهرا
وتري دول الخليج في هذه الأجواء ،أن طرح مسألة التطبيع بين الكيان الصهيوني مع دول الخليج لا يبدو مناسبا خلال الفترة القادمة وهو ما تعاطي معه ترامب بايجابية مقابل إبرام صفقات اسطورية مع دول الخليج في مجالات النفط والغاز والعقارات
ويعتقد مراقبون أن الصفقات الضخمة التي يبرمها ترامب تبين الدور المحوري لدول الخليج في تحديد وجهة ترامب وسياساته الخارجية وتظهر كذلك مدى اعتماد ترامب على حلفائه الخليجيين في قضايا محورية مثل غزة وإيران وسوريا، مقابل تجاهل متزايد لمصالح إسرائيلية، ما يثير تساؤلات حول دوافع قراراته وأولويات السياسة الأمريكية في المنطقة
ويجمع الخبراء في شئون العلاقات الأمريكية الخليجية أن أن “قادة دول الخليج يمتلكون النفوذ اللازم لتصحيح مسار ترامب، فهو يعتمد عليهم بدرجة غير مسبوقة، أكثر بكثير من اعتماده على أوروبا في قضايا شديدة الأهمية في الشرق الأوسط أو فيما يتعلق بالحرب التجارية المشتعلة مع الصين .”.

فالتطورات الأخيرة أظهرت كيف كان رأي قادة الخليج مهما بالنسبة لترامب، بشأن “غزة وسوريا واليمن، والحرب مع إيران، وحاجته لهم كحلفاء في نزاعه التجاري والجمركي مع الصين، واستضافتهم لمحادثات السلام بين أوكرانيا وروسيا، وللحفاظ على انخفاض أسعار النفط، ولإبرام صفقات استثمارية ومبيعات أسلحة”.
ومن المرجح أن يتعرض ترامب خلال جولته الخليجية لضغوط مكثفة لإنهاء الحصار الإسرائيلي ووقف إطلاق النار في غزة، مقابل تمديد الاتفاقيات الإبراهيمية التي أكد ولي العهد السعودي عدم إمكانية حدوثها دون ضمان التقدم نحو دولة فلسطينية مستقلة”، معتبراً أن “الولايات المتحدة وإسرائيل قد تبقيان عالقتين بدون مساعدة عربية”.
وبل كان واضحا الدور الخليجي الواضح في تحديد بولة سياسة ترامب تجاه غزة واليمن وإيران، إلى “ضغط خليجي فعّال” على ترامب، أسهم في توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية خلال الأسابيع خصوصا مع استئناف الآلة العسكرية الصهيونية حربها غزة وإحكام الحصار علي القطاع ..
ولا يغيب عن المشهد احتمال ان يقدم ترامب ما يطلق عليه اعلانا تاريخيا خلال جولته الخليجية قد يتعلق بالموقف من الدولة الفلسطينية ،ناهيك عن السعي لإحياء الاتفاق النووي الأمريكي الأوروبي مع إيران، أو اتّباع نهج أمريكي أكثر استنارة تجاه غزة وسوريا وتنحية ملف التطبيع مع الكيان جانبا “.
وستأتي هدايا ترامب ردا علي محفزات خليجية لواشنطن ، مثل “خفض أسعار الطاقة وتعزيز الاستثمارات الخليجية في الشركات والوظائف الأمريكية، وكبح جماح التضخم الأمريكي”.
غياب المصالح الصهيونية عن جولة ترامب الخليجية وقبلها وقف الحرب في اليمن والتقارب مع حماس ستدفع بالدولة العبرية، أن تفكر إذا كان بإمكانها الاعتماد على ترامب الذي تبدو خياراته مدفوعة بمكاسب مالية خاصة له وللمقربين منه ، فوق الاعتبارات الاستراتيجية والدبلوماسية.
.فالاعتماد على ترامب في ها السياق التي تسيطر عليه الصفقات والمصالح الخاصة قد يكون خطيراً، لأن قراراته ليست مبنية على التحالفات أو المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد، بل على حسابات مالية وشخصية آنية.
ولعل الجفوة بين ترامب ونتنياهو وعدم قيام الأول بضم الكيان لجولته في الشرق الأوسط وغياب التطبيع بين تل أبيب والرياض يظهر أن مصالح الكيان قد تراجعت في الأجندة لصالح الأمبراطورية المالية الضخمة
وهي السياسة التي قد تستمر لفترة ليست بالقصيرة حتي يغير نتنياهو من سياساته ويغيب عن المشهد السياسي في تل أبيب لصالح رئيس وزراء صهيوني جديد ،قد يكون قادرا علي التماهي مع مصالح ترامب الخاصة ويضع في اعتباره سطوة دول الخليج علي رسم السياسة الخارجية الأمريكية خلال المرحلة المقبلة..