مقالات

د. ممدوح المنير يكتب: أعظم لقاء في تاريخ البشرية

اختلف الناس على كل شيء في الدنيا وصاروا أحزاب وشيعا الا حقيقة واحدة لا يختلف عليها إثنان وهي الموت.

ورغم أنها الحقيقة الوحيدة المؤكدة عالميا إلا أنها الحقيقة المنسية حتى بين من هم أهل لها، المسلمون.

وحتى بين جموع كثيرة من الملتزمين تجدها موجودة ولكنها تائهة بينهم فقلّما تُذكر وإن ذكرت ففي مناسبات وأحوال بعينها كحالة وفاة أو حادث أليم أو مشاهد للشهداء، قليل هم من يجعلوها عادة وطقس من حياتهم، لأنه ويا لها من مفاجأة!!

هي أهم وأخطر مهمة في حياتهم على الإطلاق لا يعدلها شيء ولا يسبقها سابق.

أعلم جيدا أن بعض من سيقرأ كلامي هذا سيسخر منه وسيعتبره دروشة وآخر سيعتبره مبعث للتشاؤم وعدم الإقبال على الحياة وثالث سيعتبره تخلفا ورجعية عن ركب (الحضارة) المادية التي يحيونها.

وسيدهشك أكثر أن من هؤلاء السابق ذكرهم من يصلي ويصوم ويحج ويتصدق ويقرأ القرآن!!

لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما يضبط البوصلة ويصحح الاتجاه وينير السبيل ففي الحديث الشريف (مات رجلٌ من أصحابِ النَّبيِّ ﷺ، فجعل أصحابُ رسولِ اللهِ ﷺ يُثنون عليه، ويذكُرون من عبادتِه ورسولُ اللهِ ﷺ ساكتٌ)

صحابة يثنون على صحابي مات، هل هناك شهادة موثوقة رائعة أفضل من هذه؟!، أعتقد يستحيل.

دعني أكمل لك الحديث

(فلمّا سكتوا قال رسولُ اللهِ ﷺ: هل كان يُكثِرُ ذِكرَ الموتِ؟ قالوا: لا.

قال: فهل كان يدَعُ كثيرًا ممّا يشتهي؟ قالوا: لا.

قال: ما بلغ صاحبُكم كثيرًا ممّا تذهبون إليه)

أي أن صاحبكم كثير مما أثنيتم عليه به – وهم الصحابة- لا يستحقه! لماذا؟

لأنه لم يكن يكثر من ذكر الموت!!

صحابي يثني عليه صحابة كرام ويعتبر النبي أن عدم ذكره للموت يخدش في أحقيته في ثناء الصحابة عليه!

فما بالي وبالك ونحن لسنا صحابة ولم يثني علينا صحابة ولم نذكر الموت وربما نمتعض وننتأفف من هذه الذكرى ونعتبرها فألا سيئا؟

رغم أن هناك حديث آخر واضح وصريح ومباشر للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه (أكثروا ذكر هاذم اللذات).

بل في رحلة المعراج حدث اللقاء بين أعظم رجلين في تاريخ البشرية، حين التقى سيدنا ابراهيم عليه السلام بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في لقاء مذهل.

 فماذا كان النقطة الأهم والأخطر التي يمكن أن تجمع أهم رجلين في التاريخ الإنساني كله، ما هي الفكرة الإستراتيجية التي تم مناقشتها في هذا الاجتماع؟!

إنها الدار الآخرة التي الموت هو بابها ومفتاحها، ففي الحديث الشريف (رأيتُ إبراهيم ليلةَ أُسرِيَ بي فقالَ يا محمَّدُ أقرئ أمَّتَك السَّلامَ وأخبِرهم أنَ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربةِ عَذبةُ الماءِ وأنَّها قيعانٌ وغِراسُها لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلا باللَّهِ).

هذه الوصية التي أراد الخليل أبو الأنبياء إيصالها إلينا في هذا اللقاء المعجز بين نبيين كريمين في العالم العلوي، أنها يريدنا فقط ودائما أن نتعلق بالآخرة وأن نشتاق اليها طمعا في الثواب وخوفا من العقاب.

فأوصي نفسي وكل من يقرأ هذا الكلام أن يجعل له كل يوم كأذكار الصباح والمساء ورد ولو خمس دقائق يقرأ او يسمع أو يشاهد عن الموت والدار الآخرة.

ويواظب على ذلك ويراقب التحولات في حياته كيف تبدأ من داخل قلبه و عقله

كيف سيختلف منظوره للأحداث والأشخاص وتقييمه للمواقف والأشياء.

ستكون بإذن الله رحلة غامرة لا تشبع منها ابدا

وستظل ترتقي وترتقي طالما ثبت وواظبت على تلك التذكرة التي ظاهرها محزن ومقلق ولكنها تغمرك بسعادة ووطمأنينة لا مثيل لها.

إنها سعادة الشوق للحبيب الأعلى والغاية الكبرى، الشوق إلى الله.

د. ممدوح المنير

مدير ومؤسس المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، خبير دولى فى مجال التنمية البشرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights