“غزة.. المسافة صفر”.. أشعار: أنس الدغيم

يأتي “الشعر العربي” دائما بعد السيف، وقبل أضعف الإيمان، وأحيانا كان يسبقهما،.. فالكلمة رصاصة قاتلة، وفي زماننا هذا أصبحت “خط دفاع” للمضطهدين، وكل الذين لا يملكون من الأمر شيئا، فالقوة مع الجيوش فقط، والجيوش تديرها لعبة السياسة، والسياسة لعبة قذرة.. لا مباديء، ولا أخلاق، ولذا يتضخّم دور الكلمة التي لا يملك شرفاء الأمة سواها.. ومن شعر طوفان الأقصى، أخترنا لكم تلك الأبيات من قصائد مختلفة للكاتب والشاعر السوري، الصيدلي: أنس إبراهيم الدغيم (44 سنة)
الأمة الثقافية
اختيارات: رباب محمد
صباحُ القُدسِ والمَسرى … صباحُ الصَّحوةِ الكُبرى
صباحُ دمشقَ حينَ دمشقُ … تنهضُ مَرّةً أُخرى
وتُدلي دَلوَها (صَنعاءُ) … يا بُشرى ويا بُشرى
وتُهدي للمدى (بغدادُ) … مِن منصورِها فَجْرا
صباحُ التّينِ والزّيتونِ … مِن (رَفَحٍ) إلى بُصْرى
….
كيفما مرَّ، مرَّ كالأُرجوانِ
شامخَ الرأسِ باديَ العنفوانِ
فيهِ مِن مَسْحةِ الأصيلِ أصيلٌ
وعليهِ مِن الشَّهيدِ معاني
لا جديدٌ ما لم يُشِرْ ببَنانٍ
أو كثيرٌ ما لم تقُلْ عينانِ
فأجلُّ البيانِ معنىً ومبنىً
حينَ تُغني سَبّابةٌ عن بَيانِ
….
الحامِلونَ الأرضَ حينَ تعثَّرَتْ
قَمْحاً على أكتافهم ونَخيلا
والواقفونَ سنابِلاً لم تنكسِرْ
إلّا لأنّ القمحَ كانَ ثقيلا
…
علِّموهم أنّ (المسافة صفرٌ)
لا تُرى، لا تُقاسُ بالأمتارِ
جهِلَتها شاشاتُ صُهيونَ لكنْ
عرفَتها بنادقُ الأحرارِ
علَّمَتْنا الأنفاقُ أنَّ المعالي
في العَوالي لا في ظِلالِ القُصورِ
أيُّ عِزٍّ يبقى لِقَصرٍ منيفٍ
ما أبى ساكِنوهُ عَيشَ الحَميرِ ؟
….
(مِن المسافةِ صِفرٍ) يجمُلُ الهدَفُ
مِن حيثُ لا شيءَ إلّا نارُهم تَقِفُ
وحيثُ للمَوتِ وجهٌ عابسُ ويَدٌ
تُدمي الجِهاتِ وطعمُ الموتِ مُختَلِفُ
يَنسَلُّ حُرٌّ كوجهِ الصُّبحِ منتصِبٌ
كأنّه في حروفِ المعجَمِ الألِفُ
لم يعرفِ المَيلَ لم يعطِفْ محاجِرَهُ
وليس إلّا على الأعداءِ ينعطِفُ
…
لا يسقُطونَ، كأنّ اللهَ مكَّنَهم
مِن عُروةِ المجدِ، فاختاروهُ واقترَفوا
تجندَلَت بأديمِ النَّجمِ أرجلُهم
لكنّهم بِحُدودِ الغَيمِ ما سُقِفوا
…
تطلَّعَت نحوَ ساقِ العرشِ أعينُهم
هناك يرتاحُ بعدَ الرِّحلةِ الشَّغَفُ
كانوا وُقوفاً وفي أيمانِهم مطَرٌ
لا يُمطِرُ اللهُ إلّا حيثما وقَفوا
…
يا موتُ شيئاً من هدوءِ الزائرِ
فلقد ذبحتَ خواطري بخواطِرِ
لا تَقسُ أكثرَ، لم يعُدْ في القلبِ مُتَّـ
سعٌ لتابوتٍ وجُرحٍ آخَرِ
ما أوجعَ الفقْدَ الذي نعتادُهُ
حتّى ألِفناهُ كدمعةِ شاعِرِ
لقد صلّى على الفَزْعاتِ قلبي
كما صلَّى هناكَ الأنبياءُ
…
إنّا حمَلنا جِراحاً لا ضِفافَ لها
لا يُؤلِمُ الجُرحُ، لكنْ يُؤلِمُ العارُ
…
في القلبِ حُزنُ عصورٍ غيرَ أنَّ بِهِ
مِن اليقينِ بنصْرِ اللهِ أضعافا
…
قُلْ للحياةِ إذا حَبَتْكَ مَزيدا
لا شيءَ يُشبِهُ أنْ أموتَ شهيدا
