د. عبد الآخر حماد يكتب: الشيخ أحمد شاكر.. وشريعة الإسلام ولغة القرآن
من مواقف الشيخ أحمد شاكر في الدفاع عن شريعة الإسلام ولغة القرآن

العلامة المحدِّث السلفي القاضي أحمد محمد شاكر (1892-1958م)، واحد من علمائنا المعاصرين، الذين نفع الله بهم وكتب لهم القبول في حياتهم وبعد مماتهم.
وقد كان مما امتاز به رحمه الله متابعتُه للأحداث من حوله، وشدةُ غيرته على الشرع الحنيف، فكان كثيراً ما يتصدى بالرد والتفنيد لما يراه من كتابات منحرفة أو آراء غير صحيحة.
وكان في فترة رئاسته تحرير مجلة الهدي النبوي في أوائل الخمسينيات، يحرر باباً ثابتاً بعنوان:
«كلمة الحق»، يرد فيه على ما يقف عليه من الأفكار الضالة، والآراء التي تحتاج إلى نقد وتصويب.
ومن مواقفه الجليلة في ذلك المضمار رده على الدعوة لكتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية، والتي كان قد تبناها في مجلس النواب المصري، عبد العزيز فهمي باشا (وهو قاضٍ ووزير وبرلماني مصري، وثالث ثلاثة كان من المفترض أن يسافروا إلى فرنسا عام 1919م لعرض قضية استقلال مصر على مؤتمر الصلح بڤرساي، وكان العضوان الآخران هما سعد زغلول وعلي شعراوي). فأثار بهذا كما يقول الشيخ أحمد شاكر: (فتنةً شعواء، يحارب فيها لغة العرب، ويسعى لتمزيقها، ثم يحاول أن يظهر للناس في ثوب نصيرها المدافع عنها).
عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية
وقد رد عليه كثير من العلماء والكتاب منهم عباس العقاد ومحب الدين الخطيب وعبد الرحمن عزام وغيرهم.
وكان منهم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله الذي رد رداً قوياً نُشر في مجلة الهدي النبوي (عددي ذي القعدة وذي الحجة 1363هـ)، تحت عنوان «عبد العزيز فهمي باشا وعداؤه للعربية».
ثم نشر ذلك الرد في كتاب مستقل تحت عنوان «الشرع واللغة»، ومعه محاضرة كان الشيخ شاكر قد ألقاها بعنوان: «الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين بمصر».
وقد لفت نظري في رد الشيخ شاكر جزئيةٌ مهمة تبين غَيرته على شريعة الله تعالى، وبيان ضلال من يستبدلون بها القوانين الوضعية. وذلك أنه قد وجد أن عبد العزيز فهمي لما أراد أن يرد على نقد الشيخ محب الدين الخطيب رحمه الله له، لم يجد في محبِّ الدين عيباً إلا أنه يدعو للعمل بالشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الأجنبية، ويريد أن يسير سيرة سلفنا الصالح، وهذا في نظر عبد العزيز فهمي تخلف ورجعية؛ لأننا الآن وبحسب كلامه (عيال على الأوربيين لا في خصوص العلوم والفنون فحسب، بل كذلك في أمور التشريعات والقوانين..). ويقول: (إن الدين لله، وأما سياسة الإنسان فللإنسان). وقد انبرى الشيخ شاكر رحمه الله له مبيناً بطلان هذه الكلمة التي هي مجرد تحريف وتحوير لكلمة ليست إسلامية ولا عربية، فيها خنوع وخور واستسلام لاستبداد القياصرة ( يعني قولهم: أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)، فيقول رحمه الله: ( نعم إن الدين كله لله وإن الأمر كله لله، ولكن هذا الرجل والذين يظاهرونه يريدون أن يفهموا الدين على غير ما يعرفه المسلمون، وعلى غير ما أنزل الله في القرآن وعلى لسان الرسول، يريدون أن ينفثوا في روع الأغرار والجاهلين أن الدين هو العقائد والعبادات فقط، وأن ما سواهما من التشريع ليس من أمر الدين).
ثم انطلق رحمه الله يبين الأدلة على وجوب اتباع ما أنزل الله في كل الأمور مثل قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ). [المائدة: 44]
وقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا). [الأحزاب: 36].
ثم قال رحمه الله: (وإني أسأل معالي الباشا سؤالاً واضحاً صريحاً، أرجو أن يجيبني عنه جواباً واضحاً صريحاً، لا حَيْدة فيه ولا دوران: ما يقول هو وأمثاله في قول الله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا). [المائدة: 38]،
أهو فرض من فرائض الدين، واجب الطاعة على المسلمين، في كل زمان ومكان؟ أم هم يرونه أمراً قد سقطت طاعته عن المسلمين، بأنهم أخذوا أخذ الأوربيين، وبأنه في شأن من شؤون الإنسان، و«أن الدين لله، وأما سياسة الإنسان فللإنسان؟ (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً). إلى أن قال: (والقرآن مملوء بأحكام وقواعد جليلة، في المسائل المدنية والتجارية، وأحكام الحرب والسلم، وأحكام القتال والغنائم والأسرى، وبنصوص صريحة في الحدود والقصاص. فمن زعم أنه دين عبادة فقط فقد أنكر كل هذا، وأعظم على الله الفرية، وظن أن لشخصٍ كائناً من كان، أو لهيئةٍ كائنة من كانت، أن تنسخ ما أوجب الله من طاعته والعمل بأحكامه. وما قال هذا مسلم قط ولا يقوله، ومن قاله فقد خرج عن الإسلام جملة، ورفضه كلَّه. وإن صام وصلَّى، وزعم أنه مسلم).
وبعد: فهذه كلماتٌ خالدة دبَّجها يراعُ عالم أزهري جليل، نقلناها بحروفها، لنبين للناس أن الدعوة لإقامة شريعة الله، ونبذ ما خالفها هي دعوة حقٍ، ليست بتطرفٍ ولا إرهابٍ، كما يزعم من يُسمون أنفسهم بالتنويريين، بل كما يزعم بعض المشايخ الرسميين.