“جمعيةٌ عموميةٌ”.. قصة: محمد الشرقاوي

يومان فقط يفصلان بين الشبلَ حسام وأجازتِهِ الصيفيةِ ، تغمرُ قلبَهُ سعادةٌ بالغةٌ تفصحُ عنها عيناهُ وملامحُ وجهِهِ، يقفزُ بخيالِهِ إلى اللعبِ بالدراجةِ في شوارعِ الحيِّ حينَ يجتمعُ أصدقاؤهُ بدراجاتِهم لقضاءِ وقتٍ ممتعٍ، لكنَّهُ يتذكرُ ما أصابها من أعطالٍ منذ نهايةِ الصيفِ الماضي حيثُ تحتاجُ لتغييرِ إطارَيها والكرسيِّ كذلك.
يقتربُ حسامٌ مِن والدِهِ مُداعبًا إيَّاهُ فيستقبلُهُ الأبُ بحفاوةٍ وثناءٍ عليهِ،
حسام: سوف أُنهي امتحاناتي بعد غدٍ.
بابتسامةٍ رقيقةٍ يردُّ الأبُ: وفقكَ اللهُ حبيبي الغالي.
حسام: ألا تتذكرُ يا أبي ما وعدتني بهِ؟
الأبُ: ماذا يا بُنيّْ؟
حسام: إصلاحُ الدراجةِ، هل نسيتَ؟
الأبُ: لا يا حبيبي، وأنا عند وعدي لكَ.
تزدادُ فرحةُ الابنِ فيقدمُ الشكرَ لوالدِهِ مُقبلًا يديهِ فينظرُ الرجلُ لابنِهِ متمنيًا أنْ يمنحَهُ اللهُ القدرةَ على إسعادِه، لكنَّهُ يتذكرُ ما طلبتْهُ زوجتُهُ وما طلبتْه ابنتُهُ، يجلسُ شاردَ الذهنِ سابحًا في التفكيرِ وبعد طولِ عناءٍ يقررُ مشاركةَ الجميعِ في المسئوليةِ واتخاذِ القرارِ.
يستدعي الأسرةَ لعقدِ جمعيةٍ عموميةٍ لمناقشةِ الأمرِ وبعد أنْ يعرضَ عليهم ما يُشغلُ عقلَهُ مِن مسئولياتٍ يبدأُ كلٌّ مِنهم في التعبيرِ عن رأيِّهِ وقرارِهِ، تبدأُ الزوجةُ كلامَها بابتسامةٍ صادقةٍ ثم تدعو اللهَ أنْ يوفقَ زوجَها ويعينَه على مسئولياتِهِ، فهي تدركُ أنْ الحياةَ أصبحت قاسيةً وشاقةً وثقيلةً في أعبائها، يهدأُ قلبُ الرجلِ متوقعًا قرارَها فتؤكدُ توقعَهُ وتطلبُ تأجيلَ طلبِها لوقتٍ آخرَ، يثني عليها الزوجُ ويؤكدُ أنَّ هذا عهدُهُ الدائمُ بها وبأخلاقِها وتعاونِها لكنَّها تقاطعُه قائلةً: لا داعيَ للثناءِ، فنحن شريكانِ في المسئوليةِ.
تتجهُ عينا الأبِ إلى ابنتِهِ علا منتظرًا رأيَها في هذا الموقفِ العصيبِ، تردُّ بابتسامةٍ صافيةٍ: أعانكَ اللهُ يا أبي، لقد قررتُ تأجيلَ ما طلبتُهُ منك لأيِّ وقتٍ يناسبُكَ، يشكرُها الرجلُ مُقبِّلًا إيَّاها وداعيًا لها بالتوفيقِ والسعادةِ، ثم يقتربُ من حسامٍ مُهنئًا إيَّاهُ لأنَّهُ فاز بالتزكيةِ وأصبح حُلمُهُ على وشكِ التحقيقِ، ولكنَّهُ يُصابُ بدهشةٍ شديدةٍ عندما يسمعُ ردَّ الشبلِ صاحب السنواتِ العشرةِ،
الأبُ: ماذا تقولُ يا بُنيَّ؟
حسام: نعم يا أبي، لقد قررتُ عدمَ إصلاحِ الدراجةِ ولنْ أفكرَ في اللعبِ مرةً أخرى، وسوف أبحثُ عن عملٍ أتعلمُ مِنهُ حرفةً مناسبةً خلال أجازتي الصيفيةِ، فأنا لستُ أقلَّ حبّا لكَ مِن أمي وأختي، لقد أصبحتُ رجلًا وأستطيعُ الوقوفَ بجوارِك, يبتسمُ الأبُ رافعًا يديهِ نحو السماءِ شاكرًا ربَّهُ على ما رأه، يبتسمُ الجميعُ ويبدأُ المزاحُ والضحكُ وحديثُ الذكرياتِ الجميلةِ.
———————
من المجموعة القصصية (خلف الأبواب)