د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: دلوك الشمس وغسق الليل

مبتسما كعادته.. التفت إليّ عقب الصلاة قائلا: يعني أيه (دلوك الشمس) المذكور في سورة الإسراء؟
قلت له: يعني زوال الشمس؛ أي ميلها عن كبد السماء ناحية الغروب وقت الظهيرة.. (دلوك الشمس) أي: ميلها..
واللفظ الكريم جزء من آية كريمة في سورة الإسراء.. تحدد مواقيت الصلوات الخمس بأخصر عبارة وأبلغ أسلوب..
فالصلوات (الخمس) لها مواقيت (ثلاثة) تصلى فيها.. ولا يجوز تجاوزها، ومواقيت الصلاة كما تعلم جعلها الله علينا فرضًا، وكتابًا موقوتًا..
قال: مواقيت ثلاثة! لا مش فاهم..
قلت: يقول الله تعالى في سورة الإسراء: ((أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا)). الآية: ٧٨.
إذا.. فقد ذكرت الآية الكريمة ثلاثة مواقيت هي:
– دلوك الشمس: أي زوالها عن كبد السماء..
– غسق الليل: أي ظلمته من بعد الغروب..
– قرآن الفجر: أي صلاة الفجر التي تكون عقب غسق الليل وانبلاج ضوء النهار.
سبحان الله، جاء في الآية (وقرآن الفجر) بدلا من (وصلاة الفجر).. لفضل طول القراءة في صلاة الفجر.. فعبر عنها بالقرآن المستحب التطويل منه فيها..
ففي الآية الكريمة كما ترى شملت هذه المواقيت (الثلاثة) المحددة، الصلوات (الخمس) المفروضة..
إن صلاتي (الظهر والعصر) متداخلتان؛ حيث تبدأ صلاة الظهر من بعد زوال الشمس عن كبد السماء، ويكون ذلك عند أقل طول لظل الشيء، ثم يبدأ زيادة الظل ناحية الشرق، حتى يصير ظل الشيء طوله، وهنا ينتهي وقت صلاة الظهر ويبدأ وقت العصر..
فهما -كما ترى- صلاتان متداخلتان.
وعند الجمع لعذر ما نصليهما معا (الظهر والعصر) تقديمًا في وقت الظهر، أو تأخيرًا في وقت العصر، حسب مقتضى الحال..
وصلاتي (المغرب والعشاء) متداخلتان؛ حيث تبدأ صلاة المغرب من بعد غروب الشمس وابتداء ظلمة الليل إلى نهاية وجود الشفق الأحمر في السماء جهة الغروب.. فإذا انتهى هذا الشفق بدأ وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل..
وعند الجمع لعذر ما نصليهما (المغرب والعشاء) تقديمًا في وقت المغرب أو تأخيرًا في وقت العشاء حسب مقتضى الحال..
ومنتصف الليل هو منتصف عدد ساعات الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، وهو متغير من الصيف إلى الشتاء حسب طول وقصر الليل، وليس دائما الساعة ١٢ كما يتصور البعض.
ثم إذا بدأت ظلمة الليل في الانتهاء وعلامة ذلك اختلاط بياض النهار بها يبدأ وقت صلاة الفجر.. إلى قبيل شروق الشمس..
وليس لصلاة الفجر تقديم أو تأخير..
ومن أدرك من صلاة العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.. ومن أدرك من صلاة الفجر ركعة قبل أن تشرق الشمس فقد أدرك الفجر.. هذا لصاحب العذر بلا إهمال أو تفريط.
وها أنت ترى أن هناك وقتين ليس فيها صلاة فريضة تؤدى؛ أولهما من شروق الشمس إلى زوالها وقت الظهيرة، ومن نصف الليل إلى طلوع الفجر… وهما وقتا التنفل المستحب..
ففي الأول منهما فيه صلاة الأوّابين؛ صلاة الضحى.. وفي الثاني قيام الليل وهو معروف فضله ومعلوم قدره..
ولذلك جاء في الآية التي تليها مباشرة: (ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا).
ومعنى الآية الكريمة التي سألتني عن كلمة منها: أقم الصلاة بأن تأتي بها على أتم وجه في أوقاتها؛ ابتداءً من زوال الشمس عن كبد السماء في وقت الظهيرة، ويشمل هذا الوقت صلاة الظهر والعصر، إلى ظلمة الليل وتشمل صلاتي المغرب والعشاء، وأقم صلاة الفجر، وأطل القراءة فيها، فصلاة الفجر تحضرها ملائكة الليل وملائكة النهار..
فاللهم اجعلنا ممن يقيمون الصلاة على الوجه الذي يرضيك..