مقالات

عامر شماخ يكتب: هل يوفق اللهُ الطغاة؟

لا يظن هذا إلا المغفّلون؛ فإن سنن الله لا تتبدل ولا تتحول ولا تحابي أحدًا؛ (إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [لقمان: 33]، وما يرونه من عطاء وتمكين للظالمين إنما هو عقابٌ، وإمهال له ما بعده من العذاب؛ (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [آل عمران: 178].

والشرع حاشدٌ بالنصوص التي تؤكد ذلك، وأن هذا استدراجٌ وفتنةٌ لا ينجو منها إلا من تاب وآمن، أما الذين اغتروا بما آتاهم الله من متاع الدنيا فطغوا وبغوا وظنوا أن ذلك «توفيق» منه سبحانه، فأولئك هم الخاسرون؛ (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103، 104].

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله يعطى العبد في الدنيا على معاصيه ما يحب، فإنما هو استدراجٌ. ثم تلا: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام: 44].

وأيُّ عطاءٍ هذا الذي عليه هؤلاء الأقزام أمام ما كان عليه الطغاة السابقون؟ لقد أُعطى «فرعون» ما لم يُعط بشرٌ مثله حتى ظن ألا إله غيره فقال أنا ربكم الأعلى، وقد كان من بطانته من امتلك الكنوز والأموال حتى عجزت الجماعة من الناس عن حمل مفاتيحها، ولقد أتى أمرُ الله في لحظة فنسف كل بنيان وكنز، فلم يشفع لهم شافعٌ، ولم يعد لهم ذكرٌ، إلا للعبرة والدرس، ولخّص الله هذا المشهد فى كلمات ثلاث لم يزد عليها: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 14].

لقد ثبت عن «الدجّال» أنه سيقول للسماء أمطرى فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وأنه يقتل واحدًا ثم يحييه، وأنه يخرج خلفه كنوز الذهب والفضة. فأيُّ فتنة بعد هذا؟ ولم يقل أحدٌ إن «الدجال» بهذه الخوارق موفق من الله على ما سيفعله من مثل هذا الكفر في آخر الزمان.

 وهذا درسٌ لكل طاغية أحمق أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، وغرس غرس الطغاة السابقين الذين حسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا؛ فإذا أمرُ الله يأتيهم بغتة ومن حيث لم يحتسبوا، وإن غفل الخلق فإن الخالق لا يغفل، وإن عجزوا فلا يعجزه -تعالى- قوى الأرض والسماء؛ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [إبراهيم: 42، 43].

نعم! إنه لا يضل ربى ولا ينسى، ولا يساوى بين المسلم والمجرم؛ (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم: 35، 36]، وإذا أمهل -سبحانه- الجبابرة فلحكمته؛ (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا) [فاطر: 45].

 لكنهم لغبائهم يظنون ذلك خيرًا لهم، رغم ما يبعثه الله إليهم من رسائل للاعتبار والعظة؛ (أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ) [التوبة: 126]، وهم أيضًا لكبرهم وبطرهم وعمى قلوبهم يحسبون أنهم على حق، وهم في الحقيقة قاب قوسين أو أدنى من العذاب المهين؛ (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لّا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون: 55، 56].

وإذا كان هؤلاء يمثلون فتنة لضعيفي الإيمان ممن لا حظَّ لهم من علم أو طاعة؛ فقد حذر الشرع منهم فى نصوص لا حصر لها، ولفت المؤمنين ألا يُفتنوا بما هم عليه من متع الدنيا وما يملكون من حُكم وسلطة، فهذا كله وبال عليهم عكس ما يراه الرائي؛ (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف: 182، 183]، (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ) [لقمان: 24]، (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196، 197]، (قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا) [مريم: 75].

يقول النبي ﷺ: «.. وإذا أراد الله بعبد شرًّا أمسك عليه بذنبه حتى يوفى به يوم القيامة»؛ من أجل ذلك فإنك قد تراهم سعداء مزهوين بما هم عليه من سلطان ونعيم، لكنه العقاب المدَّخر والعذاب المنتظر؛ (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) [الشعراء: 205 – 207]، (إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران: 176]، فإذا جاء وعد ربى تميز الحق من الباطل، والخبيث من الطيب، ووقع العذاب على من كذب وتولى؛ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights