أقلام حرة

د. محمد إبراهيم المدهون يكتب: شهر رمضان في محرقة غزة

{كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيامُ} البقرة183

 {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة185

شعبنا في شمال غزة على أبواب شهر رمضان الثاني في ظل هذه المحرقة القاسية، وكنا بعد أشهر خمس كامله بعد سبعة أكتوبر على موعد مع رمضان المبارك الأول واستعرت المحرقة وحرب الإبادة حرقت الأخضر واليابس ولم يكن في خاطر أحد أن شهر رمضان والصيام سيختلط بالدماء والتدمير وأن يهود {يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} البقرة205.

ويقدم شعب الفداء والتضحية النموذج الأسطوري فتستيقظ العائلة الفلسطينية فجر كل يوم رمضاني لتجمع أشلاء شهداء وتفقد من بقي على قيد الحياة على أصابته فتسعفه بلا شيء حيث لا مشافي ولا دواء ومسكين من بقي على قيد الحياة يكابدها ويعاني مرارة الفقد وحسرة الحرمان ولوعة الشوق.

ونستيقظ للسحور حيث لا طعام ولا شراب والمجاعة تضرب عميقا في جوف كل فلسطيني في شمال غزة ومحظوظ من يجد علف حيوانات أو شيء من خشاش الأرض يملأ معدته صبرا حتى مغرب شمس اليوم وكثير من الكبار عليهم مواصلة الصوم رغم النهي عنه ولكنهم يمارسون طقوس الجوع رغما عنهم حيث معدل لقيمات كل يوم أو ربما كل عدة أيام.

 وقد استيقظنا مرارا في شهر رمضان المبارك على أصوات التفجير والآليات العسكرية وطائرات الاستطلاع والكوادكابتر وإطلاق الرصاص في كل مكان في عمليات مداهمة واجتياح للمنطقة وعلينا نراقب اللحظة الأنسب لمواجهة خطر القتل تحت ركام بيت مدمر والملاحقة بالخروج من المنطقة ونزوح جديد صياما.

‏وفي رمضان ما زالت ظريف الطول الفلسطيني حافي القدمين ينبت من شقوق البيوت المدمرة ومن ركام وازقة حارته المتلاصقة ويخرج طائر الفنيق يردي عصابات الإبادة قتلى فهم {إفَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} التوبة111 المحتل على أرضهم المقدسة في شهر رمضان في استجابة مطلقة لأوامر الله تعالى الذي {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} البقرة216 كما {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} البقرة1 فقالوا {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} البقرة285.

‏ومع نهاية رمضان استمر كثير من أبناء غزة العزة يمارسون طاعة الصوم نافلة وتقربا لله تعالى وتكيفا مع مجاعة شح الطعام والآن بعد سنة عسرة كاملة من المحرقة وبعد أشهر خمس وأقل للعيش مجددا مع شهر رمضان الثاني في المحرقة جهادا في سبيل الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} العنكبوت69.

نقول: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على المحتلين الظالمين.

د. محمد إبراهيم المدهون

رئيس أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا - فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى