مقالات

د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: استمر حتى لو لم تشعر بشيء

أعرفه منذ حوالي عشرين عامًا؛ عبدًا لله، سَوِيَّ النّفس، آيةً في الحلم، أمينًا في تجارته، متقنًا في عمله، يداوم على صيام الاثنين والخميس والأيّام البيض الثلاثة من كل شهر، يقوم الليل ويحافظ على صلاة الرواتب مع الفرائض؛ لمست ذلك بنفسي، وعرفته من العاملين معه أنه يفعل ذلك وزيادة، وفّقه الله وأكثر من أمثاله.

زارني أمس وفي معرض كلامه، ومن بين قائمة الأسئلة التي تعوّدت منه أن يطرحها في كلّ زيارة قال: ليه مبحسش بأي حاجة في قيام الليل زي ما بنسمع من المشايخ وبنقرا في الكتب؟ هل أنا عندي حاجة غلط؟

تبسّمت تبسّم المُعْجَب المُتَعَجِّب وقلت له على الفور: استمرّ في القيام ولو لم تشعر بشيء! مش لازم تحسّ بشيء! المهم داوم واستمرّ.

فقال: إزّاي؟! مش المفروض أحسّ براحة نفسية وحلاوة للقيام وكده؟!

قلت: مش لازم.. وإن حصل فذلك فضل الله وكرمه..

ثم استطردتُّ قائلًا له: يا أخي؛ الله سبحانه وتعالى: بعد أن ذكر عبادًا له صالحين؛ يقومون الليل ويجافون مضاجعهم في قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا) قال بعدها: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءً بما كانوا يعملون) فحتّى هم أنفسهم داخلون في جملة من لا يعلمون الجزاء ولا يشعرون به في الدنيا أبدًا.

فقول الله تعالى: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ) يدخل فيه جميع نفوس الخلق، لكونها نكرة في سياق النفي. أي: فلا يعلم أحد (مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) من الخير الكثير، والنعيم الغزير، والفرح والسرور، واللذة والحبور..

وهذا أيضا في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)

فكما صلّوا في الليل، ودعوا، وأخفوا العمل، جازاهم من جنس عملهم، فأخفى أجرهم، ولهذا قال: (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فاستمر ولا تقطع قيام الليل أبدا حتى لو لم تشعر بأي شيء في الدنيا؛ فالدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء..

لا سيما مع هذه الخطوب وهذه الكروب والمحن؛ لا سيما للثلة القليلة التي يصطفيهم الله لدينه ودعوة الخلق والقيام بالحق؛ لا بد لهم من زاد وقوة، ومن أهم ذلك الزاد قيام الليل، فاستمر ولا تقطع قيامك أبدًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights