أحمد الشريف يكتب: الفضل ما شهدت به الأعداء!
«ينام خمس ساعات ويأكل ما حضر من الطعام ويلبس ما تيسر له من الثياب، ويعيش عيشة الكفاف!
زيارته للقرى تتسم بالبساطة، يتصرف بحكمة وذكاء وهو يسعى لاكتساب الأصدقاء، ينام عند أعضاء الجماعة وإذا لم يتوفر له ذلك نام في المسجد راضيا!
أقام في بداية حياته بالقاهرة في حارة عبد الله بك في المغربلين عند بوابة المتولي، يستأجر بيتا إيجاره خمسون قرشا شهريا!
ومنه انتقل إلي السبتية وأخيرا في شقة بحارة سنقر الخازن بقسم الخليفة يدفع عنها جنيهين كل شهر!
كان البيت مفروش بالحصير ولم تغط أرضه سجادة في يوم من الأيام!
مرتبه كمدرس للغة العربية بوزارة المعارف عشرة جنيهات، يحصل منها على جنيهين لمصروفه الشخصي ولرحلات الدعوة، وتساهم أسرة زوجته -من الإسماعيلية- في نفقات البيت!
بعد استقالته من عمله كمدرس عام ١٩٤٦م أصدر مجلة الشهاب ولم يزد دخله منها على ١٥ جنيها!
عرض عليه الإخوان مائة جنيه شهريا مقابل التفرغ ولكنه اعتذر!
وعرض عليه الإنجليز أثناء الحرب العالمية الثانية خمسة آلاف جنيه ليكتب عن الديمقراطية فقال:
أكتب عن ديمقراطية الإسلام باعتبارها الديمقراطية الحقيقية المثالية، فرفض الإنجليز!
قال تقرير المخابرات البريطانية إن أحد أسباب الانتشار السريع للإخوان يرجع إلي حياة الزهد والورع التي عاشها حسن البنا كمسلم!
وفي مفكرته التي وجدت معه عند مصرعه كَتَبَ أنه أخذ من المستشار «منير الدلة» ١٥٠ جنيهًا لتسوية نفقات المعيشة، وعندما فتشوا ملابسه في القصر العيني بعد وفاته، وجدوا في جيبه؛ ستة جنيهات وعشرة مليمات وساعة جيب معدنية وقلم حبر، وكان هذا كل تركته!
ولد «حسن» في قرية المحمودية بمديرية البحيرة في ١٤ أكتوبر ١٩٠٦م، والده الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا مأذون وخطيب مسجد القرية–الذي رتب مسند الإمام أحمد بن حنبل، وخرَّج أحاديثه، وشرح ما يحتاج إلى بيان وسمّاه “الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني” في اثنين وعشرين مجلدًا– وكان لحسن البنا أربعة أشقاء وعندما تزوج كريمة الحاج “حسين الصولي” من وجهاء الإسماعيلية، أنجب خمس بنات هن: سناء ووفاء ورجاء وهالة وابنًا واحدًا هو أحمد سيف الإسلام البنا، الذي كان في الرابعة عشرة من عمره عند مصرع أبيه، وكانت صغرى بناته “استشهاد” جنينًا في بطن أمها يوم وفاة أبيها في ١٢ فبراير ١٩٤٩م!
في المدرسة الابتدائية رأس جمعية السلوك الاجتماعي، وأنشأ جمعية منع المحرمات التي يبعث أعضاؤها برسائل لمن يرتكبوا منكرًا!
وبدأ يكتب مذكراته وهو صبي، ويشترك في المظاهرات السياسية وعمره ١٣ سنة!
والتحق في سن الرابعة عشرة بمدرسة المعلمين الأولية بدمنهور ليدرس الفقه الإسلامي، وكان يحفظ ١٨ ألف بيت شعر فضلا عن القرآن الكريم والأحاديث النبوية!
يقرأ كتب حجة الإسلام الغزالي ويتأمل فلسفته ثم يشترك أثناء الدراسة في «الجمعية الحصافية الخيرية»، فيتعلم شئون الجمعيات ووسائل تنظيمها، ويقول: إن قيام هذه الجمعيات في المدارس يترك أثرا ضخما في نفوس الشباب، فكم سهرنا ندرس حال الأمة الإسلامية!
وعندما سمع وهو طالب في المدرسة الابتدائية بوفاة الزعيم المناضل محمد فريد في نوفمبر ١٩١٩م، أَلّف قصيدة مطلعها:
أفريد نم بالأمن والأمان
أفريد لا تجزع على الأوطان!
ثم انتقل إلى القاهرة للدراسة في دار العلوم، وكان أول دفعته في جميع مراحل التعليم، وتخرج منها وعمره ٢١ سنة.
وكانت كلماته الأخيرة في آخر موضوع إنشاء كتبه بدار العلوم:
“بعد قومي عن مقاصد دينهم ومرامي كتابهم والتبس عليهم الدين الصحيح، لذلك يجب أن نعمل على تصحيح الأوضاع لنغرس في النفوس أن الإسلام دين ودنيا!
وهذا الكتاب يخشاه المستعمرون لأنه ليس آيات تقرأ في الصلاة، وترددها الشفاه، وإنما كتاب تشريع وقيادة وحكم وإمامة”!
هذا هو ما حرص على تنفيذه طوال حياته القصيرة، التي جعلت حديث الناس والدول في زمانه وحتى وقت الناس هذا» أ.هـ..
النص السابق لم يكتبه أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، ولا حتى أحد المنتمين إلى التيار الإسلامي بمفهومه الأشمل وتعدد اتجاهاته!
ولكنه بعض فقرات من مقدمة كتاب عنوانه: من قتل حسن البنا؟! للكاتب الكبير “محسن محمد” رئيس تحرير ومجلس إدارة جريدة الجمهورية الأسبق (جريدة النظام الرسمية في مصر منذ تأسيسها في عام ١٩٥٣م وحتي الآن)!
ومن ثمّ تأتي أهمية الكتاب الذي يضم بين دفتيه أكثر من ستمائة صفحة، كتبها المؤلف بموضوعية شديدة معتمدا على تقارير ووثائق المخابرات البريطانية والأمريكية فضلا عن أهم المراجع والكتب التي تناولت هذه الفترة المليئة بالأحداث الجسام والصراعات والحروب العالمية التي غيرت وجه المنطقة والعالم أجمع!
وقد طبعته دار الشروق للمرة الأولي في ثمانينيات القرن الماضي –مارس ١٩٨٧م– وهي الفترة التي شهدت حرية وديمقراطية نسبية في البلاد، قبل استبداد مبارك وتحوله إلي فرعون كامل بعد حل مجلس الشعب سنة ١٩٩٠م، وبداية البطش بالمعارضة وفي الصدر منها جماعة الإخوان المسلمين!
واليوم ونحن نشهد غياب القدوة وانعدام المثل في فترة من أسوأ الفترات التي تمر بها البلاد في تاريخها حيث يسود القمع والظلم وغياب الحريات وتكميم الأفواه، لا بد أن نذكر رجال الأمة الذين أوقفوا حياتهم لنهضتها ورفعة شأنها ولم يجعلوا همهم تحصيل الرزق ورغد العيش!
والإمام الشهيد حسن البنا أحد هؤلاء الرجال بامتياز، شخصية فذة عالية الهمة، رغم ما أثير حولها من اتهامات وجدل عاصف كشأن كل الشخصيات العظيمة والعبقرية في صفحات التاريخ!
ولقد آثرت عند الحديث عنه إيراد أقوال الخصوم والكارهين فإن هذا هو الفضل المبين الذي قال عنه الشاعر:
وشمائلٌ شهِد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الأعداء..
وهذا أيضا ما دفع العلامة يوسف القرضاوي حفظه الله، عندما كتب في أوائل العام ١٩٩٩م، عن الإخوان المسلمين بمناسبة مرور سبعين عاما على تأسيس الجماعة وخمسين عامًا على استشهاد مؤسسها حسن البنّا، أن يضع في نهاية كتابه مقال عنوانه: حسن البنا لا عنف ولا تزمت!
الذي كتبه الكاتب الصحفي اليساري صلاح عيسى أحد ألدّ أعداء جماعة الإخوان المسلمين، ونشرته جريدة الشرق القطرية في مارس ١٩٩٩م!
وهو مقال طويل غاية في العلمية والإنصاف، يُعتبر أبلغ رد على ما أثير بعدها من بهتان وافتراءات في كتاب “الشيخ المسلح” الذي كتبه رئيس حزب التجمع الشيوعي رفعت السعيد!
ومما جاء فيه:
«الذين يضعون فأس اتجاهات التيارات الإسلامية في مصر والعالم العربي نحو التزمت ثم العنف في عنق الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين الذي غاب عن دنيانا في مثل هذه الأيام منذ خمسين عاما يسيئون عن عمد قراءة وقائع التاريخ ويقحمونه في الصراع السياسي القائم الآن بينهم وبين التيار الإسلامي بمجمل فصائله. فلا يسيئون بوضعهم الجميع في سلة واحدة لوقائع التاريخ فحسب ولكنهم وهذا هو الأخطر يؤججون نيران العنف حيث يتوهمون أنهم سيقضون عليه ويقودون الأمة إلى صراع عبثي لا جدوى من ورائه، يتوهم خلاله كل تيار من تياراته الرئيسية في الحركة السياسية العربية أن باستطاعته استئصال الآخرين، وبذلك تطيش خطواتها نحو المستقبل في الألفية الثالثة كما طاشت في الألفية الثانية!
وما يتجاهله الذين يحملون “حسن البنا” المسئولية عن نشأة تيار العنف هو أن تشكيل المنظمات شبه العسكرية كان موضة لدى كل التيارات السياسية في الثلاثينيات في إطار النتائج الإيجابية التي حققتها نظم الحكم في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية التي نجحت استنادا إلى عسكرة المجتمع في استعادة ما أضاعته الحرب العالمية الأولى من حقوق البلدين الوطنية وأن فرق الجوالة التي أنشأها “البنا” وعرفت بفرق القمصان الكاكية لم تكن الوحيدة في الساحة فقد كانت هناك فرق القمصان الخضراء التي شكلتها جماعة “مصر الفتاة” وكان من أعضائها “جمال عبدالناصر”!
بل إن “الوفد” وهو الحزب الديمقراطي العتيد قد شكل هو الآخر فرق القمصان الزرقاء!
👈وكل الشواهد التاريخية تؤكد أن جوالة الإخوان كانت أكثر هذه الفرق انضباطًا سواءً من الناحية الأخلاقية أو من ناحية الالتزام بالقانون!
ومما يتجاهلونه كذلك أن الإخوان المسلمين لم يكونوا هم الذين بدأوا باستخدام الرصاص في الحوار السياسي مع القوى السياسية المحلية، فقد كان أول استخدام له في هذا الاتجاه عام ١٩٢٢م -وقبل ست سنوات من تشكيلهم- عندما اغتال مجهولون يشك في أنهم من المتعاطفين مع (الوفد) اثنين من زعماء (الأحرار الدستوريين) إبان الصراع العنيف بين الطرفين.
كما أن أحدًا من الإخوان المسلمين لم يشارك في محاولات الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء “إسماعيل صدقي” في النصف الأول من الثلاثينيات، وكذلك كان أحد أعضاء حزب “مصر الفتاة” هو الذي حاول اغتيال مصطفى النحاس عام ١٩٣٧م.
ولم يكن العنف ضد الاحتلال البريطاني في الأربعينيات قاصرًا على الإخوان فباستثناء الشيوعيين الذين لا يؤمنون -من حيث المبدأ- بالعنف الفردي فقد كان اللجوء للعنف لإجبار المحتلين على الجلاء أو على الأقل تنفيذ معاهدة ١٩٣٦م، والرحيل عن المدن الكبرى إلى قاعدة قناة السويس يكاد يكون توجها عاما بين التيارات السياسية الجديدة – كالحزب الوطني الجديد ومصر الفتاة – فضلا عن كثير من المنظمات السرية الشبابية التي استلهمت تجارب المقاومة السرية ضد الاحتلال النازي لدول أوروبا وخاصة فرنسا، بل إن هذه الموجة قد شملت كذلك قواعد شبابية تنتمي إلى الأحزاب التقليدية ومنها “الوفد”.
الذين يضعون فأس المسئولية عن العنف الديني الذي تفشى منذ ذلك الحين في انحاء مختلفة من المنطقة العربية في رقبة الشيخ “حسن البنا”، يتجاهلون أن المسئول الأول عن ذلك هم الذين شجعوا بل تآمروا على إقامة دولة دينية (الكيان الصهيوني) في المنطقة عن طريق العنف، والذين سعوا إلى ذلك عن طريق هجرة استيطانية تحولت إلى أحزاب سياسية صهيونية علنية لكل منها جناح عسكري سري تتعاون جميعها في ممارسة العنف ضد أصحاب البلاد الأصليين (الفلسطينيين) من المسلمين والمسيحيين لكي تطردهم منها وتحل محلهم!
وكان هذا التحدي الذي استجاب له “حسن البنا” فاتبع نفس الطريقة ولكن لهدف مضاد وشرَع -بمشورة المجاهدين الفلسطينيين- في تشكيل الجهاز الخاص للإخوان المسلمين ليكون بمثابة جناح عسكري للجماعة يجند طاقات الشبان الأكثر حماسا واستعدادا للتضحية من خلال دراسات فقهية حول نظرية الجهاد في الفقه الإسلامي مع برامج للتدريب العسكري، لكي يكونوا مؤهلين لمواجهة الغزو الصهيوني والاحتلال الأجنبي لبلاد المسلمين. وبصرف النظر عن مدى صواب ذلك أو عدم صوابه فإن المسئول عن نشوء العنف الديني في المنطقة ليس صاحب (رد الفعل) ولكنه صاحب (الفعل) الذي يملأ الدنيا الآن في بلاد الغرب صراخا ضد هذا النوع من العنف!
👈ومن سوء الحظ التاريخي أن توجهت الرصاصات لاغتيال الشيخ البنّا، إذ أن المؤكد أنه لولا غيابه لتغير وجه النصف الثاني من القرن العشرين عما صار إليه ولاختلف استقبالنا للألفية الثالثة عما نحن عليه!» أ.هـ.
كان ذلك بعض ما شهد به الخصوم والأعداء عن الإمام المجدد، أما إذا أراد أحد الاطلاع علي إسهامات المفكرين الإسلاميين عن سيرة الإمام فهي عديدة ومتنوعة وإن كان أفضلها -من وجهة نظري- هو كتاب حسن البنا الداعية الإمام والمجدّد الشهيد للأستاذ الموسوعي أنور الجندي وهو بالمناسبة لم ينتم يوما لجماعة الإخوان المسلمين بل كان علي خصومة معهم أثناء الفترة الناصرية- فترة الغيبوبة وانعدام الوعي- ومع ذلك أصدر المفكر العملاق كتابا في أوائل سنة ٢٠٠٠م، بمناسبة الذكري الواحدة والستين لاستشهاد الإمام التي كانت في ١٢ فبراير ١٩٤٩م، ويتضمن الكتاب حوالي ٥٥٠ صفحة من أجمل ما تقرأ عن الإمام المصلح الرباني الذي غير مسيرة الأمة وغيّر أعرافها وطبعها بطابع الحق وأعادها إلي الصراط المستقيم.. علي حد تعبير الأستاذ “الجندي” في مقدمة سفره الرائع.
وإذا كنت ممن يفضلون كتابات الإخوان المسلمين عن إمامهم ومرشدهم فعليك بكتابي “الملهَم الموهوب” للأستاذ عمر التلمساني المرشد الثالث للجماعة، وكتاب “حسن البنا.. مواقف في الدعوة والتربية” للأستاذ عباس السيسي رحمه الله..
كتبه الفقير إلى عفو الله / أحمد الشريف..
#معركة_الوعي_أم_المعارك!.
#ذكرى_ميلاد_الإمام_الشهيد_حسن_البنا
#قراءة_التاريخ_أول_درجات_سلم_الوعي …