أحمد سعد حمد الله يكتب: حزب العرجاني الجديد ومصير مستقبل وطن
القرار المهم جدا الذي أصدره الجنرال عبد الفتاح السيسي في أكتوبر الماضي، بالإطاحة باللواء عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة،
وتعيين اللواء حسن محمود رشاد بدلا منه، لم يأخذ حقه الكافي من الاهتمام الإعلامي،
أو النقاش الجماهيري، ولو أنه كان قد أخذ حقه في الإعلام وبين الناس،
لوجد الناس تفسيرا للكثير من الإجراءات التي تلته، ولربما تعرفوا على خلفيات الكثير من الأحداث السياسية الجارية في مصر الآن،
وعلى رأسها الترتيب لتأسيس حزب سياسي جديد يتبع النظام الحاكم، غير حزبه المعروف (مستقبل وطن).
عباس كامل ركن مهم من أركان نظام السيسي
ابتداء لابد من التأكيد على أن عباس كامل لم يكن مجرد مسؤول مهم، أو ضابط عسكري برتبة كبيرة، تمت الإطاحة به،
كما تم الإطاحة بالعديد من المسؤولين الكبار من قبله، ممن كانوا يشغلون مواقع سياسية وعسكرية أكبر من موقعه كرئيس للمخابرات العامة،
فقد أٌطيح من قبله، بوزيري دفاع، وثلاثة رؤساء أركان حرب للقوات المسلحة، وثلاثة رؤساء مخابرات حربية،
إنما الأهمية في رحيل كامل تحديدا، هو المكانة التي كان يحظى بها في نظام السيسي،
فقد كان يمثل ركنا مهما من أركان هذا النظام، إضافة إلى كونه واحد من المقربين جدا من السيسي،
والملتصقين به، منذ شراكتهما في الانقلاب العسكري (2013) على ثورة 25 يناير، وعلى الرئيس المدني المنتخب (الراحل محمد مرسي)،
بل كان هو الرأس المفكر، والعقل المدبر، لكل ما جرى من أحداث في الفترة التالية للانقلاب حتى رحيله،
حتى أن البعض كان يصفه بالذراع اليمنى للسيسي، والرجل الثاني بالدولة،
بل إن هناك من كان يبالغ أكثر في مكانته ونفوذه، فيصفه بالقائد الخفي للدولة المصرية، والمحرك المجهول لسياستها الداخلية والخارجية،
خصوصا علاقة مصر مع دول الخليج، وتأثيره الكبير على بعض حكامها، لابتزازهم ماليا، بدعوى حمايتهم،
ولعل الكثيرين يذكرون مكالمته التليفونية المسربة له مع السيسي، والتي قال فيها عن حكام الخليج إنهم يملكون أموالا «زي الرز» ولابد من سأن يدفعوا لمصر الكثير منها!!
لذلك كان قرار إقالته من رئاسة المخابرات العامة، قرارا مدويا، دوي القنابل،
حتى وإن كان تنفيذه تم بأسلحة كاتمة للصوت، في ظل تجاهل الإعلام له، وعدم تقدير الناس لأهميته،
بيد أن الإجراءات والقرارات التي تبعته، كانت أشبه بصدى هذا الدوي، فأظهرت حجم أهميته وخطورته عند من اتخذه وهو السيسي،
لذا فهو قرار يمكن أن نصفه بـ«انقلاب السيسي الثاني» الذي تخلص فيه ممن ساعدوه في الانقلاب على رئيس الدولة والوصول للحكم،
حيث بينت القرارات المتخذة في أعقابه، نية السيسي في إعادة تشكيل نظام حكمه، بحيث لا يضم من بين صفوفه،
أحدا ممن كان لهم دور معه في انقلاب 2013، أو لهم فضل في وصوله إلى كرسي الحكم 2014،
وقد تم ذلك، بالتخلص من عباس كامل، ومن قبله الفريق محمد زكي وزير الدفاع، رئيس الحرس الجمهوري في عهد الرئيس مرسي!
البداية بالإعلام
في نفس اليوم الذي أطاح فيه السيسي بعباس كامل، كان كاتب السطور أول من تنبأ بالتوابع التي ستلي هذا القرار،
وتحديدا تغيير المنظومة الإعلامية بأكملها، وقد سجلت هذا الرأي على صفحتي بالموقع الأزرق (فيس بوك)
لأني رأيت أن جميع أفراد هذه المنظومة جاءوا إما باختيار عباس كامل شخصيا،
أو عن طريق وسطائه، ومن ثم فالمنظومة بالكامل تخضع لسلطاته، وتتحرك بأوامره،
وعليه كان من الضروري أن تكون بداية التخلص منها، هي تغيير جميع أفرادها،
وقد بدأت المهمة بشن حملة عنيفة على الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، باعتبارها المتحكم في كل الإعلام المصري، والمسؤولة عن إدارته وتوجيهه،
وهي الشركة التي جاء بجميع أفرادها عباس كامل ومعه العقيد أحمد شعبان،
ولذا كان لابد من الانقلاب على الشركة ومن فيها، وكانت البداية هي فتح ملفات الفساد داخلها،
وتحويل بعض من قياداتها للنيابة العامة بتهمة إهدار المال العام، إضافة إلى تحديد إقامات أخرين بمنازلهم،
وعلى الرغم من أن الحرب على منظومة عباس كامل الإعلامية، بدأت مبكرا جدا بمجرد الإطاحة به من منصبه،
إلا أن إجراءات التحقيق وعمليات التغيير بالشركة المتحدة والعديد من وسائل الإعلام، مازالت مستمرة إلى الآن،
ولا يعرف أحد، ما إذا كان السيسي سيظل محتفظا باسم الشركة وسجلها التجاري وعلامتها التجارية كما هو،
ويكون التغيير قاصرا على الأفراد فقط، أم سيمحوها تماما من الوجود، ويستبدلها بشركة أخرى باسم جديد، وأفراد جدد؟!
المنظومة الإعلامية المحسوبة على عبّاس
وعمليات التغيير في المنظومة الإعلامية المحسوبة على عباس كامل، لم تتوقف عند الشركة المتحدة فحسب،
بل طالت كل الهيئات الرسمية المسؤولة عن الصحافة والإعلام في مصر،
فمنذ أسبوعين تقريبا، وتحديدا في الخامس والعشرين من نوفمبر الماضي، أصدر السيسي عدة قرارات، شملت تغيير مجالس إدارات كل الهيئات الإعلامية،
وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام،
وقد وضح من الأسماء المختارة لهذه الهيئات، أن الغالبية العظمى منها لم تكن موجودة في التشكلين السابقين (2017 و2020)
بما يعني أن التغيير شمل الجميع تقريبا، بما في ذلك صحفيون وإعلاميون، كانوا متواجدين في التشكلين الأول والثاني،
ومعروفين بحبهم الكبير للسيسي، ودعمهم المستمر له، وولائهم التام لنظامه، إلا أن دستور الانقلابات، لا مكان فيه للعواطف!!
مخطط السيسي للقضاء على فلول عباس كامل
والواضح أن مخطط السيسي للقضاء على فلول عباس كامل داخل نظام حكمه، لم يتوقف عند حد تغيير المنظومة الإعلامية فحسب،
إنما وصل إلى إعادة تشكيل المنظومة السياسية أيضا، حيث الظاهر أن السيسي يريد تكوين نظام جديد بالكامل، ليس لمن شاركوه في انقلاب 2013 فضل في اختيار أفراده،
والدليل على ذلك، تحركاته الجارية الآن لإنشاء حزب سياسي جديد، يقال إن اسمه المقترح هو «اتحاد مصر الوطني»
ذلك الحزب الذي يتوقع أن يكون رئيسه هو رجل الأعمال السيناوي، إبراهيم العرجاني (رئيس اتحاد القبائل العربية)..
واختيار العرجاني تحديدا لرئاسة هذا الحزب يؤكد توجه السيسي، نحو إقامة نظام سياسي خاص به وحده، يدين له بالولاء المطلق،
بل ولديه من الإمكانات والوسائل ما يمكنه من إخافة خصومه، وردع معارضيه، حيث يمتلك العرجاني ميليشيا مسلحة تعمل بتصريح رسمي من الدولة،
والعرجاني معروف بقربه الشديد من السيسي ونجله محمود ضابط المخابرات،
وهو أيضا المسؤول غير الرسمي عن إدارة كافة مشروعات السيسي وعائلته الاقتصادية،
وهي مهمة يجني من ورائها العرجاني الكثير من المكاسب الضخمة،
على رأسها التوسع في نفوذه المالي والسياسي داخل الدولة المصرية، حتى صار بمثابة الرجل الثاني بالدولة..
ما مصير حزب مستقبل وطن
وسواء كان العرجاني أو غيره هو الرئيس المنتظر لحزب النظام الجديد، فإن السؤال الواجب طرحه هنا هو (ما مصير حزب مستقبل وطن بعد تأسيس الحزب الجديد؟)
هل سيظل الحزب القديم كما هو، وبالتالي يكون للنظام الحاكم حزبان سياسيان في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ؟
أم سيتم حل حزب مستقبل وطن، وإنهاء وجوده؟ فكما هو معروف للعامة أن مستقبل وطن، هو حزب النظام، وهو الذراع السياسي للحاكم،
وهو أمر لا ينكره أحد من رجال الحزب، أو رجال الدولة، إلا أن مشكلة في هذا الحزب، هي أن أغلب قياداته، من اختيار عباس كامل،
واستمرارهم بمواقعهم يتعارض مع خطة السيسي للتخلص من دولة عباس كامل بأكملها، وبالتالي فإن الاتجاه الأقرب هو التخلص من هذا الحزب بمن فيه،
وإنشاء حزب جديد، يكون جميع رجاله من اختيار السيسي وحده، ليتأكد من أن الدولة الجديدة أصبحت خالصة له بمفرده، لا أثر فيها لعباس كامل أو أحد رجاله..
والمؤكد أيضا أن السيسي لن يحتفظ بالحزبين، حتى وإن دانا له بالولاء، فهذا حاكم لا يؤمن بتعدد الأحزاب، كما لا يتحمل تنوعها،
فالأحزاب الحالية حتى وإن كانت جميعها خاضعة له، ولا تفعل إلا ما يرضيه ويقبله، إلا أنه يتمنى لو أنها كانت نسيا منسيا،
فهو يريد دولة (على مقاسه) تكون كل مؤسساتها مجتمعة محمولة بشنطة يد، يستطيع أن يحملها وحده، دون شراكة أو مساعدة من أحد!