أحمد سعد حمد الله يكتب: قطر جيت.. من وراء الجريمة؟!

الهجمة المباغتة التي تعرضت لها دولة قطر مؤخرا، تشبه إلى حد كبير، الهجمة التي تعرضت لها قبل ثماني سنوات، وتحديدا في 2017.
وجه التشابه بين الهجمتين، أن كلاهما دافعه الغيرة من النجاح السياسي والنهضوي الذي تعيشه الدولة، سيما في الخمس عشرة سنة الأخيرة، منذ فوزها بشرف تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم في ديسمبر 2010، وصولا إلى دورها السياسي الكبير في هدنة إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة في يناير 2025.
ومثلما افتقدت حرب 2017، للعدل والمنطق والأخلاق في الهجوم على قطر، فإن الحرب الأخيرة، تجاوزت أيضا المصداقية والعقلانية والأصولية، سواء في طرحها، أو تبريرها، أو حتى تصديقها، وأقصد بذلك الحرب التي أطلق عليها الإعلام اسم (فضيحة قطر جيت) والتي هي موضوع مقالنا هذا.
من حيث المبدأ، لا يخفى على أي متابع للشأن السياسي الإقليمي والدولي، الدور السياسي الكبير الذي باتت تلعبه الدولة القطرية على الساحتين، خصوصا فيما يتعلق بدور الوساطة في إيقاف الحروب أو حل المنازعات بين الدول، ذلك الدور وصل ذروته في العشر سنوات الأخيرة، وتحديدا في أعقاب ثورات الربيع العربي. فهو دور مكن الدولة القطرية من أن تفرض نفسها كلاعب أساسي على الساحتين الإقليمية والدولية، بل كشريك سياسي واقتصادي مهم لكبرى مثل تركيا وأمريكا، دون أن يغير ذلك على مواقفها السياسية، أو ثوابتها الأخلاقية، وهو ما جعلها الدولة الوحيدة، التي يتم الرجوع إليها، والوثوق بها، في حل كبرى النزاعات بين دول المنطقة وبعضها، أو بين دول المنطقة والمجتمع الدولي، ومن ذلك مثلا دورها الكبير والمهم في إنهاء النزاع بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان في أفغانستان.
في الوقت نفسه لم تتعطل الدولة القطرية، عن السعي نحو الاهتمام بالمواطن القطري، ولا شؤونها الداخلية، نحو تحقيق طموحها في أن تصبح دولة ناهضة، لديها من المؤسسات والبنى التحتية والفوقية، ما يجعلها قادرة على مواكبة التطور العالمي، ويضعها في موضعها الواقعي، بما يتناسب مع دورها السياسي الكبير.
من وراء الجريمة؟
ابتداء، لن أقلل من حجم الجريمة أو تأثيرها، إذا ما كانت حقيقية، لكني وفي نفس الوقت لن أسلم عقلي لمن فجروها أو روجوا لها، انتقاما من قطر. دعك من أن تفاصيل القضية تبدو متناقضة مع بعضها، والاتهامات فيها صعبة الإثبات، كما سنذكر لاحقا بإذن الله، وإنما انظر لما تحمله القصة في ثناياها وبين سطورها، حيث هناك ما يجعل الإنسان العدل المنصف، وليس شاهد الزور، أن يصل لما وراء القضية، ومن المستفيد منها، وأسباب تفجيرها في هذا التوقيت.
لكن قبل ذلك من المهم التعريف أولا بالتهم التي تم توجيهها إلى قطر في تلك القضية، وهي قيامها برشوة اثنين من مستشاري بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأن الهدف من ذلك هو تحسين صورة الدولة القطرية، في مفاوضات حل مشكلة الرهائن لدى حركة حماس، وفي الوقت ذاته تشويه صورة مصر. ما العلاقة؟ لا أدري!
لا بأس، سنسلم بذلك، ونوافق على أن قطر أقدمت على تلك الجريمة الشنعاء بهدف تحسين صورتها، والرغبة في تشويه صورة مصر، باعتبارها الدولة المنافسة لها في الفوز بلقطة إنجاز مهمة تسليم الرهائن، لكن هذا لا يمنعنا من السؤال: هل ضاقت على قطر الدنيا بما رحبت، ولم تجد لها عملاء يقومون لها بمهمة تافهة كهذه، إلا في إسرائيل، التي هي في الأصل العدو الأول للأمة العربية والإسلامية؟! فالمؤكد أن قطر لديها علم بأن هناك المئات من الشركات المنتشرة في أنحاء أوروبا وأمريكا، المحترفة في مجال القيام بمهام مشابهة، ترفع دولا وتخفض أخرى، وكله بحسابه، خصوصا وأن هذا النوع من الشركات دائما ما يكون لديها طرق تواصل مع كبرى المؤسسات الإعلامية في العالم، التي تنفذ لها حملاتها مهما كانت دناءتها أو قذارتها!
ثم السؤال الأهم، هل قطر في حاجة لمن يجمّل لها صورتها، فيما يتعلق بموقفها من الحرب الدائرة في غزة؟ ثم لماذا تريد تشويه صورة مصر؟!
بيقين أستطيع القول إن قطر لم تكن أبدا في حاجة لفعل ذلك، لا لأنها معصومة من الوقوع في الخطأ، إنما لأن مواقفها الأخلاقية وأعمالها السياسية شاهدة على نفسها، وليست في حاجة لمساحيق تجميل، بل إن العالم كله كان ولا يزال، يرى ويلمس أدوارها البارزة، في مجال وقف الحروب، ونشر السلام، وحل النزاعات، مثلما يعلم الآن دورها الواضح والكبير، في المفاوضات لإيقاف الحرب في غزة، وليس جهودها في التوصل إلى هدنة بعد خمسة عشرة شهرا من القتال، ببعيد.
أضف إلى ما سبق أن دعم قطر للقضية الفلسطينية، وتقديمها المساعدات المالية والغذائية والدوائية لأهل غزة، ليس بالأمر الجديد عليها، فهو أمر تفعله منذ سنوات طويلة، سواء كانت هناك حربا أو لم تكن، ويكفيها دورا أنها تستضيف على أرضها منذ عدة سنوات كل قيادات حركة حماس، متحملة في سبيل ذلك الكثير من المتاعب، التي يستحيل على غيرها تحملها أو حتى قبولها.
أما بالنسبة لقصة تشويه الدور المصري في مساعي الهدنة أو إيقاف الحرب، فلا أظن أن قطر في حاجة لذلك، فهناك الكثير من المواقف والتصرفات التي أٌخذت على الدولة المصرية أثناء الحرب، وتركت عنها انطباعات سيئة لدى أهل غزة، ولدى عموم الشعوب العربية، وهي تصرفات كانت سببا في تشويه الصورة المصرية دون الحاجة لوجود من يشوهها، من ذلك مثلا فرضها مبلغ عشرة ألاف دولار على كل من يريد المرور عبر معبر رفح قادما من غزة إلى مصر، سواء للعلاج بها، أو السفر عن طريقها، ليس هذا فحسب، بل إن ميليشيا العرجاني المتواجدة في سيناء، فرضت أثناء الهدنة مبلغ عشرين ألف دولار على كل سيارة تحمل مساعدات تريد العبور إلى غزة من معبر رفح، وهذا الأمر كشفه ووثقه الكثير من مواطني غزة أنفسهم، عن طريق فيديوهات نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي.
عودة إلى مونديال قطر
والحقيقة أن الكلام عن رغبة قطر في الترويج لأعمالها وتجميل صورتها، يفرض علينا الرجوع بالذاكرة للوراء قليلا، وتحديدا قبل تنظيمها لبطولة كأس العالم 2022، ففي تلك الفترة تعرضت الدولة القطرية، لمئات الحروب المعنوية، وحملات التشويه، التي تهدف إلى شيطنتها، وتشويهها، والإساءة إليها، بل وتخويف العالم من الحضور إليها لمشاهدة البطولة، بتصويرها على أنها بلد مخالف للنموذج الغربي الحداثي، الرافض للمثلية الجنسية، والمانع لشرب الخمور بالأماكن العامة..
ففي هذه الحرب قٌصفت قطر بكل أنواع أسلحة الدمار النفسي والمعنوي، وهي أسلحة كانت كفيلة بتركيعها، وإجبارها على قبول كل المطالب التي أراد الخصوم فرضها عليها، والتي منها التراجع عند تنظيم المونديال، وإيقاف بث قنوات الجزيرة، وقنوات بي إن سبورتس، وقطع العلاقات مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وإيقاف أي تعاون عسكري مع أنقرة، وغير ذلك من المطالب التعجيزية، والتي استخدمت فيها أسلحة فتاكة، مثل دعم قطر للإرهاب، وتمويلها للإرهابيين، وانتهاكها للحريات العامة والخاصة، وتعديها على حقوق الإنسان، وتسخيرها للعمالة الأجنبية، وإهدارها لحقوق العمال، وغير ذلك من الاتهامات التي تبنتها كبرى مؤسسات الإعلام في العالم، مثل البي بي سي، والسي إن إن، وفرانس 24، سكاي نيوز، وقناة الحرة، وصحف الجارديان، والتايمز، وفايننشال تايمز، وغيرها، هذا بخلاف المؤسسات العمالية والحقوقية الدولية التي شاركت في الحملات أيضا. لكن ومع كل ذلك صمدت قطر، بل ودون أن تبحث عمن يدافع عنها أو يجمل لها صورتها، تاركة أعمالها ومواقفها هي من تتصدى للقصف، ولو أنها كان لديها الاستعداد، لشراء من يدافع عنها، ويجمل لها صورتها، لفعلت في أثناء تلك الحرب وليس في أي وقت أخر، لكنها لم تفعل، رافضة بذلك اللجوء لما يتعارض مع عرفه الناس عنها من ثوابت وقيم أخلاقية، لذا لم يكن غريبا أن تخرج من كل هذه المعارك منتصرة، بل وراحت تنظم أفضل بطولة كأس عالم عرفها التاريخ، كما حافظت على بقاء الجزيرة وبي إن سبورتس، واحتفظت بعلاقاتها مع إيران، وأبقت على القاعدة العسكرية التركية، كما واصلت تعاونها العسكري مع أنقرة!
وهل قصرت الجزيرة؟
والحقيقة أن الحديث عن شراء قطر لمن يجمل لها صورتها، يفتقد للمصداقية والواقعية، خصوصا وأنها تملك أكبر وأقوى مؤسسة إعلامية في قطر والشرق الأوسط، وربما العالم، ألا وهي شبكة الجزيرة، وهي بلا شك شبكة قادرة على القيام بتلك المهمة، على أفضل ما يكون، إذا ما أرادت ذلك، فالقاص والدان يعلم علم اليقين، أن الجزيرة كانت ولا تزال هي الشاشة الأكثر مهنية، والأقوى تأثيرا في الرأي العام الإقليمي والدولي، وعلى الرغم من ظهور العديد من القنوات الإخبارية المقلدة، والتي ملكت نفس الأدوات والإمكانات المادية والبشرية والتقنية، إلا أن الجزيرة، تظل دائما هي الاختيار الأول، للمشاهد العربي، خصوصا عندما يجد الجد، ويحتاج هذا المشاهد للوصول إلى المعلومة الصادقة، والصورة الواقعية.
لذا فليس معقولا أن يكون لدى الدولة – أي دولة – شبكة إعلامية بهذا الحجم، وتلك القيمة، ثم تذهب لشراء من يروج لها، ويجمل صورتها في وسائل الإعلام الأخرى، وأين؟ في إسرائيل!
إن كان المتكلم مجنون، يبقى المستمع عاقل!