مقالات

أحمد سعد يكتب: جريمة مصطفى الفقي في حق عبد الناصر!!

تجاوز السياسي المصري المعروف الدكتور مصطفى الفقي حدود المسموح به، بخوضه في الحياة الشخصية لبعض الرموز المصرية، خلال حواره مع الإعلامي الكويتي عمار تقي ببرنامجه الشهير «الصندوق الأسود» على الموقع الإلكتروني لصحيفة القبس الكويتية.. ففي الحوار بدا الفقي وكأنه في سباق مع الذات لكشف أكبر عدد ممكن من الفضائح، معلومة وغير معلومة، تلميحا وتصريحا، عن بعض الشخصيات المصرية الشهيرة، من أصحاب التاريخ والمكانة السياسية والاجتماعية الكبيرة، مثل جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وأم كلثوم وغيرهم..

قال عن عبد الناصر إنه يشرب الخمر، واتهم السادات بالمؤامرات والانتهازية السياسية، ومبارك بمواقفه النذلة تجاه بعض الدول العربية، وأم كلثوم بميلها للنساء الجميلات، وغير ذلك من المعلومات التي كانت أشبه بقنابل معلوماتية تفجرت، مازالت أصداؤها تدوي في الشارع المصري، والعربي أيضا.

عبد الناصر يشرب في بيت المؤمن!!

لست هنا في معرض للحديث عن الدوافع التي جعلت الفقي يلقي بنفسه في براثن هذا النوع من الإعلام الباحث عن الإثارة أكثر من بحثه عن المعلومة الجديدة التي تفيد الناس وتخدم التاريخ، وكان المأمول أن تكون المعلومات أعمق وأهم، وبعيدة عن الحيوات الخاصة للناس، لا سيما وأنها صادرة عن شخصية في حجم الفقي صاحب الـ79 عاما، والذي كان شاهدا على حقبة تاريخية طويلة، تكدست بالأحداث السياسية الكبرى، شهدت حربا عسكرية وثورة شعبية وانقلابا عليها، إنما ما نتعرض له هو رد الفعل الغاضب والواسع على ما قاله، وتحديدا فيما يتعلق بواقعة شرب عبد الناصر للخمر.

الفقي لم يقل صراحة إن عبد الناصر كان يتعاطى الخمور، إنما أشار لذلك تلميحا، بقوله إن عبد الناصر عندما كان يحتاج للخروج من أجواء العمل والبعد عن دوشة السياسة، كان يذهب لبيت صديقه أنور السادات، ويتناول هناك وجبة عشاء خفيفة من الجبن الأبيض الذي لا يأكل غيره، بعدها يأخذ مشروبا خفيفا، دون أن يفصح عن نوعية هذا المشروب، ففُهم من ذلك أن المشروب المقصود هو الخمر، لأنه وفي عُرف الناس كلمة مشروب (Drink) منكّرة دون اتباعها بنوع المشروب، لا تنصرف إلا إلى الخمر، كما أن طريقة الفقي في سردها، وتوقف المذيع أمامها، ثم طلب الفقي من المذيع أن يتجاوزها حتى لا يحرجه أكثر من ذلك، زاد من التأكيد على أن المقصود هو الخمر، لذلك قامت الدنيا ولم تقعد هجوما على الفقي، كيف يجرؤ أن يصف جمال عبد الناصر بشرب الخمر وهو المشهود له بالاستقامة الوطنية، والمنّزه عن الخطايا البشرية، ومنها شرب الخمر التي هي من كبائر الذنوب؟!!

الطريف هنا أن الناس لم يندهشوا من أن الذي قدّم الخمر لعبد الناصر هو السادات صاحب لقب الرئيس المؤمن، إنما دهشتهم وصدمتهم كانت في أن يشربها عبد الناصر، فكان الهجوم على الفقي دفاعا عن عبد الناصر، لا انتصارا للدين والقيم الأخلاقية أو رفضا للمبدأ، وإلا كان الدفاع عن السادات أيضا!!

وبالرغم من أن الفقي تراجع سريعا جدا عن تصريحه، وألقى بالمسئولية على إخوان الكويت، وأنهم هم من استدرجوه لرذيلة اتهام عبد الناصر بتعاطي الخمور، إلا أن الحرب عليه لم تهدأ أو تتراجع، وربما يتبعها ملاحقات قضائية!!

عبد الناصر والإخوان

الغضب من الفقي والدفاع عن عبد الناصر له ما يبرره لدى دراويش عبد الناصر، وبالطبع عند من يطلقون على أنفسهم ناصريين، وهو مقبول أيضا من غيرهم ممن دخلوا على خط الأزمة هجوما على الفقي ودفاعا عن عبد الناصر، وهم في الأصل يريدون الانتصار لأنفسهم ولرموزهم، مثل علاء مبارك نجل الرئيس الراحل حسني مبارك، والذي بدا وكأنه غاضب لعبد الناصر، وهو في الأساس يثأر لوالده الذي طاله بعضا من شرر الفقي!!

 لكن غير المبرر هو أن يتطوع من لا ناقة لهم ولا جمل في القضية ممن عرفوا عبد الناصر بالسمع وهم للأسف كثرة للدفاع عنه والهجوم على الفقي، لأننا وإن جئنا للحق لا يوجد ما يبرر الدفاع عن عبد الناصر، خصوصا في مسألة شرب الخمر، لأن عبد الناصر لم يكن بالأساس رجل دين حتى يكون اتهامه بتعاطي الخمر جريمة، كما أنه لم يصنع تاريخه وشهرته من بوابة الدين، ولم يؤثر عنه التدين أو حمايته للدين والذّبّ عنه، ولا حتى عُرف عنه الانحياز للقيم والأخلاق الدينية، بل العكس هو الصحيح، فعبد الناصر كان مشهورا بالعداء للتيارات الإسلامية، وربما للدين ذاته، ومعروف للناس كيف أنه كان يسخر ويتهكم من فكرة ارتداء الفتيات للحجاب؟!

كما أن التاريخ يخبرنا، ويحكي لنا الشهود ما فعله من جرائم في حق جماعة الإخوان المسلمين، باعتقالهم وتعذيبهم والتنكيل بهم، بل وإعدامه لبعض قياداتهم، وغير ذلك من المواقف التي تثبت كراهية عبد الناصر لمن ينتهجون الفكر الديني، بل إن هناك من يؤكد أن عبد الناصر كان يؤمن بالفكر الماركسي، والماركسية كما هو معلوم على طرف نقيض مع الدين، اضف إلى ذلك تشجيعه لصناعة السينما والفن والطرب، حتى رفاقه ممن شاركوه في انقلاب 1952 لم يٌعرف عنهم الميل للتدين، فجميعهم باستثناء ضابط أو إثنين مثل كمال الدين حسين، كانوا من المسرفين على أنفسهم في متع الحياة، والالتصاق بالأوساط الفنية، والعيش مع الراقصات والفنانات، وارجعوا إلى مذكرات اعتماد خورشيد، وما كُتب عن صلاح نصر والمشير عامر وصفوت الشريف في العلاقة بالفنانات والأوساط الفنية، وغير ذلك من المواقف التي تنفي عن عبد الناصر أي صفات تدعو للغضب من أجله والغيرة عليه، لمجرد أنه كان يشرب الخمر.. ما تكبروش الموضوع!!

أحمد سعد حمد الله

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights