أحمد سعد يكتب: رؤية السيسي لفلسطين.. حل للقضية أم عرض خدمات؟!
احتار الناس في فهم وتفسير الرؤية التي طرحها الجنرال عبد الفتاح السيسي الأسبوع قبل الماضي، لحل القضية الفلسطينية، بقوله إن القضية يمكن حلها من جذورها بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عاصمتها القدس الشرقية، جنبا إلى جنب الدولة الإسرائيلية، تكون فيها فلسطين منزوعة السلاح، وربما الدسم أيضا، بينما تكون إسرائيل بكامل دسمها التسليحي!!
دعنا من محاولة البحث عن الكيفية وآلية التنفيذ، وتعالوا نبحث فيما هو أهم وأعمق، خاصة وأن القائل يفترض فيه بحكم الموقع، والمكانة العسكرية، والشراكة الأخلاقية، والمنزلة التاريخية لبلده، أنه شريك أساسي في القضية الفلسطينية وليس مجرد متفرج محايد، يقف على مسافة واحدة من الطرفين، فلسطين وإسرائيل!!
غرابة الفكرة
أول ما يجب البحث فيه والسؤال عنه هنا هو، لمن كان يوجه السيسي اقتراحه هذا؟ فالرجل بدا وكأنه يقدم عرضا على مستمعين يملكون الحل والعقد، ويقدرون على تنفيذ المقترح، حيث خاطبهم ببعض الأفكار التي يمكن لها أن تساهم في نجاح الفكرة، مثل وجود قوات دولية لضمان نجاح الفكرة، وتحقيق الأمن لكلا الدولتين، دون أن يخبرنا كيف سيتم تحقيق أمن بين شريكين مختلفين أحدهما يحمل السلاح والأخر أعزل؟!
لكن بقدر البساطة التي طرح بها السيسي الفكرة، بقدر ما بدت غرابتها، واستحالة تنفيذها، ولو أنها كانت بكل هذه السهولة، ما كان الفلسطينيون قضوا قرابة القرن من الزمان يبذلون الدماء والأرواح في سبيل تحرير الأرض من المستعمر الصهيوني، ولما كان الرجال والنساء، يقدمون أنفسهم وخيرة أبنائهم وبناتهم شهداء، في سبيل تحقيق النصر!!
لا بأس فالسيسي يبدو غير واع لخطورة وكارثية ما يقول، فهو ربما نسي أو جهل أن مصر التي يمثلها ويتحدث باسمها، شريك أساسي للفلسطينيين في قضيتهم، ليس فقط بحكم الجيرة والعروبة، وإنما بحكم المعارك التي خاضتها مصر ضد إسرائيل من أجل فلسطين، وهي حروب راح فيها الألاف من الجنود والضباط المصريين!!
ليس في مصلحة السيسي
قد يبدو السيسي بهذا الطرح مهموما بالقضية الفلسطينية ومشغولا بها، على الرغم من أن الواقع يقول غير ذلك، لأن مصر في وجود السيسي لم تخسر بالحرب الجارية شئيا، كما أنها لن تكسب من توقفها، بل إن شئت فقل إن مكاسبه من الحرب أكبر من عدمها، والدليل هو ما رأيناه بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى، فهذه الحرب هي التي أعادت له مكانته الدولية، بعدما كدنا نقول إنه فقدها، بتخلي المجتمع الدولي عنه..
قبل الحرب كان السيسي يعاني تجاهلا كبيرا من كل الدول التي وقفت بجواره طوال العشر سنوات الأخيرة ومكنته من ترسيخ أركان حكمه لمصر، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بدت متخلية عنه وغير راغبة في وجوده، بل وتفكر في بديل غيره تأتي به في الانتخابات الرئاسية المصرية الجارية الآن، ورأينا هذا جليا في الضغوط التي مورست عليه من قبل بعض المؤسسات الأمريكية ومنها الكونجرس الذي كان يعتزم حجب جزءا من المساعدات العسكرية بسبب موقف النظام المصري من قضايا تتعلق بملفات حقوق الإنسان والسجناء السياسيين، وغيرها من المواقف التي كانت تؤشر لقرب التخلص منه، لكن جاءت الحرب وجاءت معها الحاجة إلى وجوده وإلى دوره، خاصة وأنه كان قد ألمح في الأيام الأولى من المعركة إلى إمكانية الانحياز للفلسطينيين ضد إسرائيل، وقد بدا ذلك واضحا من مظاهرات المصريين التي سُمح بخروجها لدعم فلسطين والتنديد بإسرائيل، فضلا عن السماح للإعلام بالهجوم على إسرائيل والدفاع عن فلسطين، وما أن تحقق الهدف المنشود بلفت نظر الأمريكان والغرب لأهميته، وإعادة فتح قنوات الاتصال معه، حتى تقرر منع المظاهرات وتغيير الخطاب الإعلامي، ثم رأينا كيف أن الأمريكان والغرب الذين كانوا قد أداروا له ظهورهم، أصبحوا الآن يتوافدون على مصر لزيارته والتواصل معه..
وإذا كان المفترض أن يدرك السيسي أن تصفية القضية الفلسطينية لن يكون أبدا في صالحه، وأن مصلحته في تأزمها وتعقدها، فإن السؤال هنا: لماذا طرح تلك الرؤية لتصفيتها وحلها من جذورها؟
الإجابة في رأيي، هي أن السيسي يرمي من وراء ذلك إلى عرض خدماته على من يتصور أنهم يقدرون على التنفيذ، وكذا البحث عن المزيد من الأدوار في لعبة القضية الفلسطينية، لا سيما وأنه يمسك بيده ورقة مهمة جدا، تجعل الأمريكان والإسرائيليين يسعون إلى الاستفادة منها والفوز بها، ألا وهي ورقة سيناء التي يخطط الأمريكان والإسرائيليون لأن تكون هي الوطن البديل لسكان قطاع غزة، للتخلص من صداعهم للأبد!!
ترى هل تكون سيناء جزءا من رؤية السيسي لحل القضية الفلسطينية؟ ربما!