أحمد سعد يكتب: متى تكمل الجماعة نصف دينها؟ (2 – 2)
لم أكن أتوقع أبدا أن ما كتبته في الحلقة الأولى تحت العنوان الذي بالأعلى، سيلقى تأييدا كبيرا من قطاع واسع من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين خاصة الشباب، فالواضح أن الكثيرين منهم لهم نفس الرأي والتحفظات، لا سيما فيما يتعلق بمبالغة وإفراط الجماعة في التسامح مع خصومها السياسيين!
واليوم ونحن نواصل الحديث عن الأخطاء الإستراتيجية لجماعة لإخوان، أود إعادة التأكيد على أن الهدف من المقال ليس سرد الأخطاء التي أدت إلى فشل تجربة الإخوان في الحكم بعد ثورة يناير، وإنما الهدف هو الحديث عن الأخطاء العامة للجماعة كتنظيم سياسي، وهي الأخطاء التي أدت إلى لدغ الإخوان من نفس الجحر مرتين بل ومن نفس الثعبان ( 1954 و2013)وهي أخطاء إن لم يتم علاجها وإصلاحها ستؤدي للدغ مرات أخرى كثيرة، والإصلاح لن يحدث إلا إذا غيرت الجماعة منهجها الإداري، خاصة فيما يتعلق بمفاهيم اختيار أعضائها، وطريقة تربيتهم وتثقيفهم، بما يناسب الصراع في مضمار السياسة، وهذا ما أشرت إليه باستفاضة في مقالي السابق، أنصح بالرجوع إليه حتى تكتمل الرؤية.
السياسة ليست عملا خيريا
أضيف اليوم إلى ما قلته سابقا، واحدا أخر من الأخطاء القاتلة التي يقع فيها الإخوان وإن كانت بحسن نية وطيب توجه، ألا وهو الخلط بين العمل الخيري والواجب السياسي، فالإخوان مدربون وباهرون في إدارة وتنفيذ الأعمال الخيرية بشكل يستحيل على أي فصيل أخر تنفيذه بنفس حرفيتهم، وهو ما بُنيت عليه شعبيتهم الجارفة،وهم يعتقدون أنهم قادرون على إدارة الشأن السياسي بنفس المنهج الخيري، غير مدركين أن الإثنين على طرفي نقيض،فإذا كان العمل الخيري يتطلب صدقا وإخلاصا وأمانة،فالسياسة تتطلب مكرا وخداعا، وشرا غالبا..والإخوان عندما تصدروا وتسيدوا المشهد السياسي بمصر بعد ثورة يناير،كانت أمامهم فرصة العمر لإحكام سيطرتهم على مواقعهم المختلفة لو أنهم تحلوا ببعض من مكر وحيل وخداع السياسيين بجانب تمسكهم بثوابتهم الدينية والأخلاقية،لكنهم تصوروا أن صناديق الاقتراع وأعمال الخير كافيان لترسيخ قواعد حكمهم وتحصينهم من خدع وبلطجة خصومهم السياسيين، ولعل هذا هو ما أطمع الخصوم فيهم، وجرأ الغلمان عليهم، فراحوا يتلقون الضربات تلو الأخرى دون أي ردة فعل تناسب الاعتداءات أو خسة خصومهم، بل إنهم كانوا يتعاملون مع غالبية المعتدين والمتجاوزين في حقوقهم الإنسانية والسياسية بطيب نفس وسماحة خلق وطلاقة وجه، ظنا منهم أن هذا السلوك المتأدب سيحرج خصومهم وسيرقق القلوب عليهم، لكن وبكل أسف كان السكوت والتسامح يقابله همجية أوسع ووحشية أعنف وإهانات أبشع، وإذا كان هذا السلوك الأخلاقي يتسق ومنهج الجماعة الذي وضعه الإمام حسن البنا والذي يتبنى الإصلاح والتغيير بالتدريج، باعتبار أن دين الإسلام الحنيف يحث على مكارم الأخلاق وحسن المعاملة، لكنهم بذلك طبقوا نصف الدين وتركوا نصفه الأخر، فالدين يقول أيضا إن العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص،أما الصفح والمغفرة فهذا يكون في مواضع القوة وليس الضعف، والإخوان كانوا مستضعفين في الأرض بالرغم من كثرتهم وتسيدهم لمواقع الدولة المختلفة!!
استباحة الإخوان والاستهانة بهم والتطاول عليهم وصل حد الاعتداء عليهم بكل موقع ومكان، في الشارع، وعلى شاشات التليفزيون، وفي الصحافة، وفي النقابات، والأحزاب…. إلخ، وصل الأمر حد ذهاب البلطجية إلى مقراتهم لإشعال النار بها واستهداف من فيها بالقتل.. كل هذا والإخوان على كثرتهم وقوتهم، كانوا يتحلون بالصبر والثبات والسماحة، ومن فرط ما كان يقع على الإخوان من أذى ولا يردوه،رأينا الإعلامي إبراهيم عيسى وهو يردد ببرنامجه التليفزيوني أمام الملايين أن الشخص الإخواني لا خوف منه أو من ردة فعله، فهو – أي الإخواني – تضربه على خده الأيمن يدير لك خده الأيسر!!
السلمية ليست أقوى من الرصاص
الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان -فك الله أسره- اختصر منهج الإخوان عندما أطلق مقولته الشهيرة «سلميتنا أقوى من الرصاص» تلك المقولة التي أطلقها من منصة اعتصام ميدان رابعة العدوية الذي أقامه الإخوان رفضا للانقلاب العسكري 2013، وقد جاءت تلك المقولة في أعقاب عدة مجازر تعرض لها الإخوان ومؤيدوهم راح فيها العشرات من الأبرياء، تلك المجازر التي أصابت الجناة وليس المجني عليهم بالرعب من ردة فعل الإخوان وأنصارهم للقصاص منهم، بيد أن مقولة المرشد كانت أشبه برسالة طمأنة، ودافعا لارتكاب المزيد من المجازر لاحقا، والتي كان أحد ضحاياها وبكل أسف نجل المرشد نفسه المهندس عمار، لذا عندما صفق الناس للمرشد بعد إطلاق تلك المقولة لم أكن مع المصفقين،لا لأني مع حمل الناس للسلاح،أو مع استخدام العنف لتحقيق مطالب سياسية، إنما ضد منطق مواجهة من يحمل السلاح لتهديدي بالقتل وأنا أعزل اليدين وبصدر عار، وهنا استشهد بتصريف بمقولة المؤرخ الفرنسي الشهير فرانسوا فوريه في كتابه «الثورة الفرنسية» والذي يقول «إنه من الخبل مواجهة من يحمل ضدك السلاح بصدر عار وتتوقع أن تهزمه» وهو كلام منطقي ومعقول، بل أزيد عليه بأنك لن تهزمه أبدا، والذي يرفض فكرة حمل السلاح كمبدأ، فعليه الحفاظ على حياته، على الأقل بالانسحاب، وإذا كان هناك من ثمنوا مقولة المرشد ورأوا أنه كان بعيد النظر، وأنه جنب مصر الدخول في حروب أهلية كما حدث في سوريا والعراق، وأنه حقن بذلك دماء المصريين، فالحقيقة أن هذا لم يتحقق على أرض الواقع،فما حل بمصر بفشل ثورة يناير والانقلاب عليها،أدى بالبلاد لنفس السيناريو السوري–الفارق فقط أعداد القتلى والنازحين – وإذا كان النظام السوري سفك الدماء من أجل الحفاظ على موقعه، فالانقلابيون فعلوا في مصر نفس الشيء، وإذا كان هناك اعتقالات وإخفاءات قسرية وتصفيات جسدية خارج القانون، ففي مصر أيضا الآلاف من المعتقلين والمختفين قسريا والمقتولين خارج القانون، وإذا كانت هناك قلاقل ومواجهات بالأسلحة، فمصر تعاني نفس الشيء بسيناء وضواحيها، ولا نعلم إن كانت ستتوقف عند سيناء فقط أم ستتمدد، فماذا إذن صنعت السلمية؟!وإذا كانت السلمية التي قصدها الدكتور بديع هي عدم مواجهة الدولة بالسلاح، فهذا كان يتطلب خططا بديلة لا لمواجهة الدولة إنما مواجهة البلطجية والعاطلين الذين كانوا يعتدون على الإخوان ومسيراتهم؟!
السلمية تفقد معناها وأخلاقها وقدسيتها إذا لم تكن بخطة محددة الأجل، لا مفتوحة المدة، وأن تضمن من خلالها الحفاظ على قيمة وكبرياء وكرامة صاحبها، لا أن تستبيحه وتهينه، وما رأيناه من الإخوان بعد الانقلاب كان استسلاما وليس سلمية، خاصة إذا ما عرفنا أنا لأوامر والتعليمات الصادرة من الجماعة لأبنائها هي المنع من فعل ثوري بحمل السلاح فقط، إنما وصل المنع حد سب الانقلابيين بألفاظ خارجة، ومن قبل ذلك المنع من استخدام الحجارة أو أي أدوات سلمية مشروعة للدفاع عن النفس ورد اعتداءات البلطجية، والذي شارك في مسيرات الإخوان على كثرتها واتساع رقعتها كان يصاب بخيبة أمل في قيادات تلك المسيرات، والتي كانت تمنع المشاركين في المسيرة من ترديد الألفاظ الخارجة، وتحذرهم من أي عمل ثوري شرعي،كغلق الطرق وتعطيل المرور أو إشعال النار أو الكتابة على الجدران، فكانت المسيرة التي تضم الملايين ويهابها الناس، تطوف الشوارع والميادين وتعود في هدوء تام وكأنها في جولة سياحة لتفقد المنطقة،وليس في مهمة ثورية كانت تنتهي كل يوم بسقوط عشرات الضحايا من المشاركين فيها!!
انغلاق الجماعة على نفسها
من السياسات الإستراتيجية لجماعة الإخوان منذ النشأة وحتى الآن،هو انغلاقها على نفسها، تلك السياسة التي تفرض على أعضاء التنظيم العمل بشكل موحد وجماعي،حتى في أدق الأمور وأتفهها، كالأكل والشراب والسكن والملابس والرحلات،لدرجة تٌشعر المراقبين بأن أفرادها عائلة واحدة أو نسخا من بعضهم البعض،ويصل الانغلاق بالجماعة حد زواج أبنائها من داخل العائلات الإخوانية فقط، وليس مسموحا للشباب الإخواني الزواج بفتيات من خارج مجتمعهم، ومن يشذ عن ذلك يصبح منبوذا.. والحقيقة أنا لا أرى عيبا في كل ذلك، لأنها سياسة متعلقة بالشأن الشخصي ولا يجب لأحد التدخل فيها أو لومهم عليه،لكن ما أراه سلبيا في هذه السياسة، هو أن يصل الانغلاق حد التسلط والتحكم في الشئون الخاصة لكل فرد من أفراد الجماعة، فضلا عن أن هذا الانغلاق يقتل الإبداع عند الشباب الإخواني بجنسيه، لأنه غير مسموح لأحدهم التحرك بشكل فردي أو طبقا لأفكاره الخاصة أو التفكير خارج الصندوق، إنما يجب عليه السير طبقا لقرارات عليا ولخطة جماعية مفروضة على الكل، ولو أن الجماعة تخلت عن تلك السياسة ومنحت الحرية لأبنائها للتحرر من قيد العمل الجماعي وحثهم على الابتكار والإبداع لكان أفضل بكثير من هذا الانغلاق الشديد، الذي أراه أحد أهم أسباب فشل التجربة الإخوانية في الحكم.