أسباب فشل المشاركات والمضاربات في تعاملات الأفراد
بقلم: د. عبد الحافظ الصاوي
الأصل أن دوائر الادخار والاستثمار، هي البورصات عبر الاكتتابات الجديدة أو زيادات رأس المال للشركات القائمة، أو البنوك، أو شركات المساهمة أو التوصية البسيطة أو شركات الأفراد، ولكن هناك أسباب كثيرة تجعل المدخرين، لا يرغبون في هذه الدوائر الرسمية والقانونية، ويتوجهون إلى مسارات أخرى.
من بين هذه الأسباب البعد عن تعاملات الضرائب التي قد تكون غير منصفة لهم، أو ضآلة العائد من الادخار أو الاستثمار في الدوائر الرسمية، وهناك فئة أخرى تتخوف من شبهة الربا التي توجد في بعض تلك الدوائر، وبخاصة في مجال البنوك، وهناك من يرغب في الربح السريع، وتغريه المعدلات المبالغ فيها من خلال ما يعلنه البعض من العائد على توظيف المال لديه… ولذلك توجدت المنصات غير الرسمية التي تستقبل أموال الأفراد، سواء كانوا من صغار أو متوسطي المدخرين، وعادة ما يكون ذلك من خلال شخص، أو من خلال شركة مملوكة لشخص أو ما يسمى في القانون المصري شركات التضامن، أو الأشخاص.
-
صورة التعامل
عادة ما تتم المعاملة من خلال العلاقات الشخصية بين من يقوم بالنشاط الاقتصادي وصاحب المال، سواء كانت علاقة مباشرة بينهما، أو غير مباشرة عبر وسيط، وفي بعض الأحيان يحصل الوسيط على عمولة نظير نجاحه في جلب مدخر يدفع بأمواله لصاحب النشاط الاقتصادي.
يتم حصول صاحب النشاط الاقتصادي على الأموال، نظير إعطاء شيك أو إيصال أمانة للمدخر، على أن يُدفع عائد النشاط الاقتصادي كل فترة زمنية يتم الاتفاق عليها، وعادة ما يكون الإغراء حاضر لاسترضاء المدخر، بعرض عائد شهري، لا يقل عن 15% أو 20 %، وأحيانًا قد يصل العائد السنوي إلى 50% أو 60%.
ومن الأخطاء التي ترتكب في إطار هذه المعاملات، أن البعض يعطي العائد في صورة نسبة من رأس المال، ويرتضي ذلك الطرفان، وهو مخالفة شرعية، فما ينبغي أن يتم هو أن يكون العائد نسبة متفق عليها من الأرباح في حالة المضاربة، أو تكون النسبة من الأرباح حصب حصة رأس المال في المشاركة.
غالبية الأنشطة الاقتصادية التي يتم التعامل عليها في هذا الباب، تأتي في مجال التجارة الداخلية أو الخارجية، أو المضاربات في البورصات والعقارات، ومؤخرًا المضاربات في “الفوركس” والعملات المشفرة، والقليل من هذه المعاملات يتجه للزراعة والأقل أو النادر يتجه للصناعة.
-
النهايات المؤلمة
في غالب المعاملات التي تتم تحت الصورة التي أشرنا إليها، تنتهي بمشكلات، بعد أن يحصل المدخر على عائد لعدة أشهر، ثم يفاجأ بتوقف الدفع للعائد المتفق عليه، سواء بإخباره بتعثر المشروع وتحقيق خسائر، أو اختفاء من حصل على مدخراته، وتبدأ رحلة الكشف عن هذه المعاملات من خلال تقديم شكاوى للقضاء والجهات المختصة، وإظهار ما لدى المدخرين من شيكات وإيصالات أمانة، وفي بعض الأحيان، تصل هذه المعاملات إلى ملايين الجنيهات أو أيًا كانت العملة التي تم دفعها في هذا النشاط.
-
أسباب الفشل
هناك جملة من الأسباب، يرجع إليها فشل هذا النشاط، منها: غياب ثقافة الاعتماد على دراسة جدوى، كما أن هذه المعاملات يغيب عنها التكيف القانوني، أو الشرعي للمعاملات الإسلامية، فلا يوجد عقد يحدد طبيعة العلاقة، وواجب ومسئوليات كلا الطرفين.
وبناء على غياب الجانب القانوني، فلا يلتزم القائم بالنشاط الاقتصادي، بتقديم تقارير دورية عن نشاطه وعن وضعه المالي، بما يجعل المدخر على بينة من أمره فيما يتعلق بمصير مدخراته، فيكون كل شيء في يد القائم بالنشاط الاقتصادي، وفي بعض الحالات يخالف شروط الاتفاق مع المدخر، بالانتقال من نشاط إلى نشاط، أو من بلد إلى بلد، دون أن يخبر المدخر بطبيعة المخاطرة التي يتحملها، وهي مجازفة غير محسوبة، ولم يعلم بها المدخر.
في بعض الحالات، يقوم متلقي المدخرات بالتصرف في المال بما لا يتناسب وطبيعة النشاط الاقتصادي، مثل اختيار مقر لشركته بالإيجار أكبر من إمكانيات النشاط الذي يمارسه، ولكنه يتخذ هذه الخطوة كنوع من الوجاهة، وأضاف إلى هذه الخطوة استأجر سيارة فخمة أو شراءها، ووجود طاقم سكرتارية، مما يحمل المشروع بمصاريف باهظة، لا طاقة للمشروع أو أموال المدخرين بها، بحجة أن ذلك يضعه في مصاف من تثق بها المؤسسات الحكومية أو العملاء في نفس المجال.
أيضًا البعض قد يكون صاحب نشاط ناجح ولكنه يستمر في قبول الأموال من المدخرين، أكبر من طاقة مشروعه لاستيعاب المزيد من الأموال، فيبدأ في ممارسة أنشطة أخرى قد لا يكون لديه فيها خبرة، أو يتحول لوسيط لدى آخرين، على أنه صاحب هذا المال لينال عائد يستفيد منه بعمولة أكبر من المتفق عليه مع المدخر الأصلي.
البعض لا يفرق بين أن المدخر أعطاه ماله لنشاط بعينه، وبين أن يكون المال قدم من قبل المدخر للاستثمار فيه وفق قواعد المضاربة الشرعية بنوعيها (المطلقة أو المقيدة)، ويخلط تلك الأموال بمال شركته، ويحمل المدخر بتكاليف لا تخصه، وبذلك يظهر عائد النشاط بأقل مما ينبغي.
أيضًا، هناك حالات شديدة السلبية نتيجة عدم الشفافية، ورضا المدخر بمجرد الحصول على عائد شهري، حيث تكون نتيجة النشاط الاقتصادي خسارة، ولكن مخافة أن يطالب المدخر أمواله إذا علم بالخسارة، يتصرف صاحب النشاط الاقتصادي، بطريقة غير مقبولة، ويستمر في دفع أرباح غير حقيقية، مما يفاقم المشكلة، ويضر بالطرفين.
وينتج عن هذا التصرف، أن يتآكل رأس المال، ويحاول القائم بالنشاط الاقتصادي لتغطية خسائره، بإغراء آخرين بتقديم مدخراتهم، نظير عائد مرتفع غير حقيقي، على أمل أن يعوض خسائره، ويصلح من هيكله التمويلي، وهو ما لايحدث للأسف، حتى يصل إلى مرحلة العجز عن الوفاء بتكاليف النشاط الاقتصادي، أو سداد التزاماته تجه المدخرين، ويكون مصيره إما السجن أو الهروب للخارج أو الاختفاء عن أعين الناس.
أيضًا هناك وضع يتم فيه تلقي العائد الشهري، طالما له صفة الانتظام، دون السؤال من قبل المدخر عن عائد النشاط السنوي، وماذا تمثل مسحوباته من هذا العائد، هل الصافي خسارة أم ربح، وكذلك يسكت صاحب النشاط الاقتصادي، والمفترض أن المسحوبات الشهرية تحت حساب الربح والخسارة، وليسن حقًا مكتسبًا.
-
كيف تنجح هذه المعاملات؟
لابد أن تقام المعاملات المالية من خلال الأوضاع القانونية المسموح بها في الدولة، على أن يكون من حق هذا المشروع أو النشاط الاقتصادي، أن يقبل أموال المدخرين، تحت صور مُقرة قانونًا، بأن يكونوا شركاء، سواء بشكل دائم أو مؤقت، من خلال تمويل صفقات أو أنشطة موسمية للشركة، وعلى أن يكون ذلك من خلال عقد واضح، يحدد التزامات كل طرف، خلال فترة العقد.
أن يكون هناك نظام محاسبي يظهر طبيعة الموقف المالي للشركة أو المؤسسة، ويكون من حق المدخر الاطلاع على الأوضاع المالية للشركة بشكل دوري، وفي حالة اتخاذ أي تغيير في نشاط الشركة أو التوجه نحو أمر يحتمل مخاطرة كبيرة، أن يُحاط به المدخر، حتى يكون على بينة على مصير أمواله.
على المدخر أن يعي أن العائد المبالغ فيه على مدخراته، وراءه أمور غير طبيعية، وأنه قد يخسر كامل رأسماله، وإن حصل على العائد المرتفع لعدة أشهر، ففي أحسن الحالات عند الخسارة أو تصفية مثل هذه المعاملات، يتم خصم ما حصل عليه المدخر كعوائد، من أصل رأس المال.
كما أن أصحاب الذمم الخربة، في حالة نجاح مشروعاتهم، يتوقفون عن دفع العائد، ويطلبون من المدخرين، تحويل مستحقتهم لقروض، يتم سدادها بطريقة ما، استكثارًا على المدخرين أن يحصلوا على عوائد مرتفعة.
وأحسب أن الحل الأكثر مناسبة للاستفادة من هذه المدخرات، إقامة شركات المساهمة، أو تحويل شركات الأشخاص إلى شركات مساهمة -دون مغالة في تقييم الأصول- وأن تعقد الجمعيات العمومية، التي تُعطي الحق للمساهمين في محاسبة حقيقية لمديري الشركة عن أدائهم، ومكافأتهم إن أحسنوا، ومحاسبتهم إن قصروا، بما يصل إلى تقديمهم للقضاء.
بقي أن نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن ما يظهر من مشكلات في مثل هذه المعاملات، لا يعني عدم وجود حالات نجاح، وقد تكون كثيرة، فأصحاب المدخرات الذين خاضوا تجارب ناجحة لا يتحدثون إلى أحد عن هذه التجارب، ولكن يحتفظون بذلك لأنفسهم لاعتبارات كثيرة.
وأتمنى على الجميع، أن يستحضروا، مسئوليتهم أمام الله عز وجل فيما أنعم عليهم من مال، وكيفية التصرف فيه أخذًا وعطاءً.