أي الخيارات الممكنة أفضل: بقاء النظام الإيراني أم قيام إيران ديمقراطية؟

د. سامي خاطر
يظل النظام الإيراني واحداً من أكثر الأنظمة الاستبدادية إثارة للجدل في العالم، ليس فقط بسبب سياساته الخارجية المستفزة، ولكن أيضاً بسبب طبيعة نظامه السياسي الداخلي،
فبينما يدافع هذا النظام عن إدائه بالشرعية على افتراض “جمهورية إسلامية” تجمع بين الدين والدولة تطالب الغالبية من الشعب الإيراني بكافة مكوناته وفئاته وطبقاته وشرائحه بتغيير جذري نحو نظام ديمقراطي يضمن الحريات ويحقق العدالة الاجتماعية، وهذا في حد ذاته إسقاطٌ لما يدعيه نظام ولاية الفقيه من شرعية، والسؤال هنا استنادا لمطالب الشعب الرافض للنظام الحاكم:
ما هو الخيار الأفضل؟ هل هو بقاء النظام الحالي الذي يبدو أن تيار المهادنة والاسترضاء الغربي يدعم بقائه.. أم الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته في مساعيهم ونضالهم نحو التحول إلى إيران ديمقراطية؟
منذ قيام ما أسموه بـ الجمهورية الإسلامية في إيران عام 1979 ظلّ النظام الإيراني موضع جدل داخلي وخارجي بسبب سياساته الداخلية القمعية، وعلاقاته المتوترة مع محيطه العربي والمجتمع الدولي، إضافة إلى نفوذه الإقليمي المتزايد، ومع تصاعد الاحتجاجات الشعبية ودعوات التغيير من قِبل الشعب الإيراني ومقاومته يبرز الخيار الأفضل وهو الإطاحة بنظام الملالي وقيام دولة ديمقراطية حقيقية وغير نووية في إيران؟
سلبيات بقاء النظام الاستبدادي في إيران
1- استمرار حملات القتل الحكومي تحت مسمى الإعدام وقمع الحريات حيث يتعرض النشطاء والمعارضون والصحفيون للملاحقة والسجن الأمر الذي أسس لـ بيئة خوفٍ ورعب وتقييد للحريات الأساسية، بالإضافة إلى اضطهاد المواطنين الإيرانيين على أساس عرقي وديني وطائفي
2- الأزمات الاقتصادية: بسبب الفساد ودعم الإرهاب وسوء الإدارة والعقوبات يعاني الاقتصاد الإيراني من التضخم وغلاء الأسعار والبطالة والتردي الاجتماعي، مما يزيد من غضب الشعب خاصة في ظل ثقافة الاستبداد والقمع التي ينتهجها النظام منذ قيامه.
3- العزلة الدولية: سياسات النظام الخارجية المثيرة للجدل تزيد من عزلة إيران وتفاقم الأزمات الداخلية التي يدفع ضريبتها المواطن الإيراني.
إمكانية قيام إيران ديمقراطية وما سيتمخض عنها
1- احترام حقوق الإنسان: يضمن النظام الديمقراطي حرية التعبير، المساواة، وانتخاب حكام عبر صناديق الاقتراع بشكل شفاف.
2- تحسين الاقتصاد: انفتاح إيران ديمقراطياً والقضاء على الفساد قد ينهي العقوبات ويجذب الاستثمارات مما ينعش الاقتصاد.
3- تحسين الصورة الدولية: مع قيام نظام ديمقراطي يعزل بين الدين والسلطة في إيران غير نووية يؤمن بالمساواة ويلبي حقوق جميع مكونات الشعب ويحترم الجوار والمواثيق والأعراف الدولية وفق برنامج السيدة مريم رجوي برنامج المواد العشر يمكن لإيران الغد الديمقراطية أن تعيد بناء علاقاتها مع العالم على نحو أفضل وتقلل من التوترات الإقليمية والعالمية.
المقاومة الإيرانية والموقف من البرنامج النووي الإيراني
يشكل البرنامج النووي الإيراني أحد أكثر الملفات إثارة للجدل في السياسة الدولية حيث تسعى طهران إلى تطوير برنامج نووي مدعيةً أنه سلمي بينما هو في حقيقة الأمر مسعىً نحو امتلاك أسلحة نووية،
وفي خضم ذلك تبرز “المقاومة الإيرانية” ممثلة في جماعات إيرانية معارضة مثل منظمة مجاهدي خلق (MEK) كقوة تنتقد النظام وتدعو إلى إيقاف برنامجه النووي،
فما هو موقف المقاومة الإيرانية من هذا البرنامج، وقد لها دورا كبيرا في تحريك المجتمع الدولي نحو مواجهة سياسات ملالي إيران النووية؟
البرنامج النووي الإيراني بين مزاعم نظام الملالي والمواقف الدولية
يدعي ملالي إيران أن برنامجهم النووي لأغراض سلمية كتوليد الطاقة والاستخدامات الطبية وغيره، ويدعون أنهم منضبطون وفق معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية؛
بيد أن تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية كشفت عن أنشطة مثيرة للشكوك بما في ذلك تخصيب اليورانيوم بنسب عالية (حتى 60 في المائة)
وهنا يخرج برنامجهم النووي عن سلميته الأمر الذي يزيد من مخاوف المجتمع الدولي، وتطالب الولايات المتحدة والغرب بفرض عقوبات،
ويرون أن البرنامج يخفي أهدافاً عسكرية، وتعتبر إسرائيل البرنامج النووي تهديداً وجودياً، وتلوح بخيارات عسكرية لضربه،
بينما نجد أن روسيا والصين أكثر دعمًا لموقف النظام الإيراني وترفضان العقوبات المشددة.
موقف المقاومة الإيرانية من البرنامج النووي
تتبنى المقاومة الإيرانية وخاصة منظمة مجاهدي خلق موقفاً معارضاً بشدة للبرنامج النووي الإيراني ذلك لإنه يكلف الشعب الإيراني تكلفة باهظة” فقرا وحرماناً وبطالة وتدني شديد بمستويات المعيشة”،
كما أنها أكدت على أن البرنامج غير سلمي في جوهره، وتستشهد بتسريبات داخلية تفيد بأن النظام يخفي أبحاثاً عسكرية،
وترى أن العقوبات النووية تزيد من معاناة الشعب الإيراني ولا تؤثر على النظام بينما تُنفق الأموال على برامج غير ضرورية،
وتؤكد أن امتلاك ملالي إيران سلاحاً نووياً سيؤجج سباق التسلح في الشرق الأوسط ويؤسس لحقبةٍ طويلة من التوتر وعدم الاستقرار.
المقاومة الإيرانية وكشف الأسرار النووية لنظام الملالي
جهود استخباراتية غيرت المشهد الدولي
في واحدة من أكثر عمليات كشف الأسرار استخباراتية تأثيراً في القرن الحادي والعشرين نجحت المقاومة الإيرانية في فضح البرنامج النووي السري لنظام الملالي مما قلب موازين القوى السياسية الدولية،
وأجبر النظام الإيراني على مواجهة المجتمع الدولي بحقائق لم يستطع إنكارها،
وقد كان لهذه العمليات الاستخباراتية دوراً محورياً في تشكيل الموقف الدولي من الملف النووي الإيراني أو بمعنى أدق أجبرت هذه العمليات المجتمع الدولي على مواجهة نظام الملالي.
ففي أغسطس 2002 كشفت المقاومة الإيرانية عن وجود منشأة نووية سرية في ناتنز لتخصيب اليورانيوم،
وكانت هذه هي الصفعة الأولى للنظام الذي كان ينفي أي أنشطة تخصيب مما أجبر هذا الكشف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على التحرك وزيارة الموقع.
لقد كشفت المقاومة الإيرانية في حينها معلومات سرية عن مفاعل أراك الذي يمكنه إنتاج البلوتونيوم،
وأثبت هذا الكشف أن نظام الملالي كان يطور مسارين نوويين متوازيين وهما (تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم)،
وقد قدمت المقاومة وثائق سرية تثبت استمرار العمل العسكري في البرنامج النووي،
وشملت الكشوفات تصميمات لرؤوس نووية واختبارات تفجير مما اضطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تعديل تقاريرها بناء على هذه المعلومات.
تحديات المواجهة، وبطولات غير مرئية غيرت التاريخ
واجهت المقاومة الإيرانية حملات تشويه من نظام الملالي وحلفائه. وانطلقت محاولات اغتيال ضد قياداتها، وقد تم التعتيم الإعلامي على إنجازاتها،
ولولا جهود المقاومة الإيرانية في كشف البرنامج النووي السري لكان نظام الملالي قد حقق في ظل غفلة وتغافل المجتمع الدولي اختراقات نووية خطيرة دون أي رقابة دولية،
وتثبت هذه الأحداث أن المقاومة الإيرانية منظومة مؤسساتية مقتدرة ومنظمة تمتلك قدرات فائقة، وقد أنقذت كشوفاتها المنطقة من خطر نووي محدق،
ولابد أن يسجل التاريخ أن الفضل في كشف الحقيقة النووية لملالي إيران يعود لشجاعة المقاومة الإيرانية
وقدرتها وثباتها في اختراق ومواجهة نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران وأكثر الأنظمة سرية وقمعاً في العالم.
هل حان الوقت لخيار التغيير بدلاً من المفاوضات العقيمة؟
مفاوضات لا نهاية لها وواقع متدهور
استنفدت الدبلوماسية الغربية منذ أكثر من أربعة عقود كل أدوات التفاوض مع نظام الملالي، من عقوبات إلى اتفاقات وصفقات مؤقتة،
لكن النتيجة كانت دائماً نفسها مزيد من التسلح النووي، قمع داخلي متصاعد وتوسع إقليمي مقلق،
وفي ظل هذا الفشل المتكرر يبرز سؤال جوهري:
أليس إسقاط النظام خياراً واقعياً ممكناً خاصة مع وجود بديل ديمقراطي متحضر قادر على قيادة إيران نحو مستقبل أفضل؟
لماذا فشلت المفاوضات مع نظام الملالي؟
يرجع ذلك إلى تكتيك المماطلة الإيراني حيث استخدم نظام الملالي “استراتيجية التفاوض من أجل كسب الوقت”
لمواصلة تخصيب اليورانيوم، وقد تم اختراق كل اتفاق بسرية تامة (مثل الاتفاق النووي لعام 2015)،
كما كشفت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وغياب الرادع الحقيقي حيث لم تُضعف العقوبات نظام الملالي بقدر ما زادت من معاناة الشعب،
وظلت التهديدات العسكرية نظرية بسبب المخاوف من اضطراب إقليمي وهو أمرٌ يشجع ملالي إيران على المراوغة،
كما أن هناك انقسام في الموقف الغربي، فبينما تشدد الولايات المتحدة على “الضغط الأقصى”، تُفضل أوروبا والصين سياسة “الحوار”.
لماذا يعتبر إسقاط نظام الملالي أمراً ممكناً اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
بسبب تراجع شرعية هذا النظام الفاشي داخلياً، وإثبات الاحتجاجات المتكررة في أعوام 2017، 2019، 2022، 2023 أن شرعية “ولاية الفقيه” في خطر.
ورفض الشباب الإيراني (وهم يشكلون 70 في المائة من السكان تحت 30 سنة) نظام الملالي جملة وتفصيلاً.
وجود بديل ديمقراطي منظم: يقدم تحالف المعارضة الإيرانية (مثل مجلس المقاومة الوطني الإيراني) رؤية علمانية ديمقراطية لإيران ما بعد الملالي،
ووجود دعم شعبي متنامٍ بين الإيرانيين في الداخل والخارج، وبرنامج سياسي واقتصادي واضح يلبي تطلعات جميع مكونات الشعب.
ألن ينهي الغرب هذه المسرحية التي دأب عليها وباتت مفضوحة أمام الجميع؟
واقع الحال يشير إلى أن المسرحية ستستمر لأن الغرب الذي يقوده تيار المهادنة والاسترضاء منقسم ولا يملك إستراتيجية موحدة،
ويلعب ملالي إيران على وتر التناقضات الدولية.. نعم لا أحد يريد حرباً؛
لكن لا أحد أيضاً يريد حلاً جذرياً، ويتغافلون عن أن الشعب الإيراني قد بدأ يفقد صبره، وسيتغافل الغرب مرة أخرى عن حملات القمع التي سيمارسها الملالي ضد أي حراك جماهيري،
وبالنهاية قد تجبِر الضغوط الداخلية النظام على الإفراط في ممارساته الدموية ما سيؤدي إلى انهياره قبل أن يقرر الغرب إنهاء اللعبة..
عندها ستكون الخسارة فادحة.. ونعود ونتساءل هل ستنتهي المسرحية؟ ومن سيكتب المشهد الأخير.. الغرب أم الشعب الإيراني.. أم قوى إقليمية جديدة؟
فرصة تاريخية
بين بقاء نظام يفرض سلطته بالقوة ويحدّ من تطلعات شعبه، وبين بناء دولة ديمقراطية تعكس صوت المواطن وتحترم كرامته،
يبدو الخيار واضحًا لمعظم الباحثين والنشطاء: إيران الديمقراطية هي الطريق الأفضل نحو مستقبل مزدهر وآمن لجميع الإيرانيين وللمنطقة ككل.
في النهاية يجب أن يكون القرار بيد الشعب الإيراني؛ فهو الذي يتحمل تبعات أي تغيير أو استمرار، ولكن من منظور القيم الإنسانية والعالمية فإن النظام الديمقراطي الذي يحقق العدالة والحرية والرفاهية
مؤكداً هو الخيار الأفضل لإيران شريطة أن يكون انتقالاً سلمياً وتدريجياً يمنع الفوضى، ويحتاج التغيير الجذري إلى إرادة شعبية قوية،
وظروف إقليمية ودولية مواتية، ومهما كانت النتيجة فإن مستقبل إيران سيكون محورياً ومؤثراً في مستقبل المنطقة بأكملها،
والتغيير ليس صعبًا ولا مستحيلاً عندما تخلص النوايا خاصة عندما ينبع من الداخل ويدعمه العالم الحر، ولقد أثبتت التجربة أن المفاوضات مع نظام الملالي طريق مسدود بينما الخيار الديمقراطي موجود وممكن،
وقد أظهر الشعب الإيراني استعداده للتغيير ووضع المجتمع الدولي أمام خيارين:
إما الاستمرار في سياسة الفشل مع نظام لا يؤمن بالتعايش السلمي
أو تبني استراتيجية التغيير عبر دعم الإرادة الشعبية الإيرانية.
ختاما:
السؤال هنا ليس هل سيسقط نظام الملالي؟ بل متى وكيف يمكن جعل هذه العملية سلمية وسريعة.. يعطي التاريخ فرصاً نادرة للتغيير، وقد حانت الآن اللحظة المناسبة لإقامة إيران جديدة، حرة، وديمقراطية.. فلا تخشوا من التغيير في إيران ما لم تكن لديكم نوايا غير شفافة بالمنطقة.