الأمة الثقافية

“أَفاضِلُ الناسِ أَغراضٌ لِذا الزَمَنِ”.. شعر: المتنبي

أَفاضِلُ الناسِ أَغراضٌ لِذا الزَمَنِ

يَخلو مِنَ الهَمِّ أَخلاهُم مِنَ الفِطَنِ

وَإِنَّما نَحنُ في جيلٍ سَواسِيَةٍ

شَرٍّ عَلى الحُرِّ مِن سُقمٍ عَلى بَدَنِ

حَولي بِكُلِّ مَكانٍ مِنهُمُ خِلَقٌ

تُخطي إِذا جِئتَ في اِستِفهامِها بِمَنِ

لا أَقتَري بَلَداً إِلّا عَلى غَرَرٍ

وَلا أَمُرُّ بِخَلقٍ غَيرِ مُضطَغِنِ

وَلا أُعاشِرُ مِن أَملاكِهِم أَحَداً

إِلّا أَحَقَّ بِضَربِ الرَأسِ مِن وَثَنِ

إِنّي لَأَعذِرُهُم مِمّا أُعَنِّفُهُم

حَتّى أُعَنِّفُ نَفسي فيهِمِ وَأَني

فَقرُ الجَهولِ بِلا عَقلٍ إِلى أَدَبٍ

فَقرُ الحِمارِ بِلا رَأسٍ إِلى رَسَنِ

وَمُدقِعينَ بِسُبروتٍ صَحِبتُهُمُ

عارينَ مِن حُلَلٍ كاسينَ مِن دَرَنِ

خُرّابِ بادِيَّةٍ غَرثى بُطونُهُمُ

مَكنُ الضِبابِ لَهُم زادٌ بِلا ثَمَنِ

يَستَخبِرونَ فَلا أُعطيهِمُ خَبَري

وَما يَطيشُ لَهُم سَهمٌ مِنَ الظِنَنِ

وَخَلَّةٍ في جَليسٍ أَتَّقيهِ بِها

كَيما يُرى أَنَّنا مِثلانِ في الوَهَنِ

وَكِلمَةٍ في طَريقٍ خِفتُ أَعرِبُها

فَيُهتَدى لي فَلَم أَقدِر عَلى اللَحنِ

قَد هَوَّنَ الصَبرُ عِندي كُلَّ نازِلَةٍ

وَلَيَّنَ العَزمُ حَدَّ المَركَبِ الخَشِنِ

كَم مَخلَصٍ وَعُلًى في خَوضِ مَهلَكَةٍ

وَقَتلَةٍ قُرِنَت بِالذَمِّ في الجُبُنِ

لا يُعجِبَنَّ مَضيماً حُسنُ بِزَّتِهِ

وَهَل يَروقُ دَفيناً جَودَةُ الكَفَنِ

لِلَّهِ حالٌ أُرَجّيها وَتُخلِفُني

وَأَقتَضي كَونَها دَهري وَيَمطُلُني

مَدَحتُ قَوماً وَإِن عِشنا نَظَمتُ لَهُم

قَصائِداً مِن إِناثِ الخَيلِ وَالحُصُنِ

تَحتَ العَجاجِ قَوافيها مُضَمَّرَةً

إِذا تُنوشِدنَ لَم يَدخُلنَ في أُذُنِ

فَلا أُحارِبُ مَدفوعاً إِلى جُدُرٍ

وَلا أُصالِحُ مَغروراً عَلى دَخَنِ

مُخَيِّمُ الجَمعِ بِالبَيداءِ يَصهَرُهُ

حَرُّ الهَواجِرِ في صُمٍّ مِنَ الفِتَنِ

أَلقى الكِرامُ الأُلى بادوا مَكارِمُهُم

عَلى الخَصيبِيِّ عِندَ الفَرضِ وَالسُنَنِ

فَهُنَّ في الحَجرِ مِنهُ كُلَّما عَرَضَت

لَهُ اليَتامى بَدا بِالمَجدِ وَالمِنَنِ

قاضٍ إِذا اِلتَبَسَ الأَمرانِ عَنَّ لَهُ

رَأيٌ يُخَلِّصُ بَينَ الماءِ وَاللَبَنِ

غَضُّ الشَبابِ بَعيدٌ فَجرُ لَيلَتِهِ

مُجانِبُ العَينِ لِلفَحشاءِ وَالوَسَنِ

شَرابُهُ النَشحُ لا لِلرِيِّ يَطلُبُهُ

وَطَعمُهُ لِقَوامِ الجِسمِ لا السِمَنِ

القائِلُ الصِدقَ فيهِ ما يَضُرُّ بِهِ

وَالواحِدُ الحالَتَينِ السِرِّ وَالعَلَنِ

الفاصِلُ الحُكمَ عَيَّ الأَوَّلونَ بِهِ

وَالمُظهِرُ الحَقَّ لِلساهي عَلى الذِهنِ

أَفعالُهُ نَسَبٌ لَو لَم يَقُل مَعَها

جَدّي الخَصيبُ عَرَفنا العِرقَ بِالغُصُنِ

العارِضُ الهَتِنُ اِبنُ العارِضِ الهَتِنِ اِب

نِ العارِضِ الهَتِنِ اِبنِ العارِضِ الهَتِنِ

قَد صَيَّرَت أَوَّلَ الدُنيا وَآخِرَها

آباؤُهُ مِن مُغارِ العِلمِ في قَرَنِ

كَأَنَّهُم وُلِدوا مِن قَبلِ أَن وُلِدوا

أَو كانَ فَهمُهُمُ أَيّامَ لَم يَكُنِ

الخاطِرينَ عَلى أَعدائِهِم أَبَداً

مِنَ المَحامِدِ في أَوقى مِنَ الجُنَنِ

لِلناظِرينَ إِلى إِقبالِهِ فَرَحٌ

يُزيلُ ما بِجِباهِ القَومِ مِن غَضَنِ

كَأَنَّ مالَ اِبنِ عَبدِ اللَهِ مُغتَرَفٌ

مِن راحَتَيهِ بِأَرضِ الرومِ وَاليَمَنِ

لَم نَفتَقِد بِكَ مِن مُزنٍ سِوى لَثَقٍ

وَلا مِنَ البَحرِ غَيرَ الريحِ وَالسُفُنِ

وَلا مِنَ اللَيثِ إِلّا قُبحَ مَنظَرِهِ

وَمِن سِواهُ سِوى ما لَيسَ بِالحَسَنِ

مُنذُ اِحتَبَيتَ بِأَنطاكِيَّةَ اِعتَدَلَت

حَتّى كَأَنَّ ذَوي الأَوتارِ في هُدَنِ

وَمُذ مَرَرتَ عَلى أَطوادِها قَرِعَت

مِنَ السُجودِ فَلا نَبتٌ عَلى القُنَنِ

أَخلَت مَواهِبُكَ الأَسواقَ مِن صَنَعٍ

أَغنى نَداكَ عَنِ الأَعمالِ وَالمِهَنِ

ذا جودُ مَن لَيسَ مِن دَهرٍ عَلى ثِقَةٍ

وَزُهدُ مَن لَيسَ مِن دُنياهُ في وَطَنِ

وَهَذِهِ هَيبَةٌ لَم يُؤتَها بَشَرٌ

وَذا اِقتِدارُ لِسانٍ لَيسَ في المُنَنِ

فَمُر وَأَومٍ تُطَع قُدِّستَ مِن جَبَلٍ

تَبارَكَ اللَهُ مُجري الروحِ في حَضَنِ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى