أقلام حرة

إياد العطية يكتب: واجب المفكرين والمصلحين

نعتقد يقينًا أن واجب المفكرين وأصحاب الرأي السديد والمصلحين هوتوعية الأمة بمشاريعها الاستراتيجية الكبرى، والتحذير من المشاريع المعادية التي تهدد وجودها. لا ينبغي لهم الغوص في تفاصيل الأزمات المفتعلة التي يفتعلها النظام الدولي، والتي تهدف إلى إشغال الأمة عن التفكير العميق والاستراتيجي. يجب أن يركزوا على إعادة الأمة إلى موقعها الطبيعي في السيادة والحكم.

من الخطأ أن يحبس المفكرون أنفسهم في دائرة الأزمات الآنية التي تخلق أفكارًا مأزومة وقرارات غير صائبة، وتنحصر في ردود أفعال عابرة. بل عليهم الخروج من هذه الدائرة المحدودة، وتبني رؤية استراتيجية شاملة، تضع حلولاً عملية ومستدامة تتناسب مع طبيعة الصراع المستمر.

إحدى أهم استراتيجيات النظام الدولي الذي تقوده أمريكا هي إبقاء الأمة محصورة في أزماتها القطرية المفتعلة، مما يجعل الحلول لا تتجاوز حدود الأقطار. هذا التقييد يهدف إلى ترسيخ الولاء لهذه الحدود دون السماح بتجاوزها، وبالتالي السيطرة على طموحات الأمة وإحباط أي مشروع يطمح للوحدة أو التحرر.

كل الثورات الكبرى التي شهدها التاريخ بدأت بثورة فكرية قبل أن تتحول إلى ثورة فعلية على الأرض. لم يحدث هذا إلا عندما قام المفكرون والمصلحون بواجبهم تجاه شعوبهم، ووجهوها نحو التغيير وفق متطلبات المرحلة. تلك الثورات الفكرية هي التي تمهد الطريق للتحولات الجذرية في المجتمع.

نرى ذلك جليًا في دعوة النبي ﷺ، حيث بدأ بتغيير الأفكار والمعتقدات في مكة، من عقائد الشرك إلى عقيدة التوحيد، مع نصرة المظلومين ورفع الظلم. وبعدها استطاع المسلمون بناء الدولة وجيشوا الجيوش للقيام بواجبهم الرباني في تحرير البشرية من العبودية وتغيير الواقع على الأرض.

﴿كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد﴾

وهذا هو جوهر حركات التغيير؛ تبدأ بتغيير الأفكار والمعتقدات، ثم يتبعها تغيير الواقع. هذه سنة الله في خلقه التي تسري على كل البشر، مسلمين كانوا أو غير مسلمين. الثورة الفرنسية مثلاً، بدأت بتغيير الأفكار وانتهت بتغيير نظام الحكم على أرض الواقع. وينطبق الأمر على كل حركات التغيير الكبرى في التاريخ.

إياد العطية

كاتب وباحث في شؤون الأمة ومهتم بتاريخها

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights