
في عالم تتشابك فيه الإقتصادات بالجيوسياسة، أصبح النفط ليس مجرد سلعة استراتيجية، بل أداة ضغط وحلبة صراع بين القوى الكبرى، مع تصاعد التفاؤل بإبرام اتفاقيات تجارية جديدة، مثل تلك التي أعلنت عنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وعلى أثرها ارتفعت أسعار النفط عالميًا، مدفوعة بزيادة الإقبال على المخاطرة في الأسواق، لكن خلف هذا المشهد، هناك قصة أكثر تعقيدًا، وهى كيفية تحدى كل من إيران والصين للعقوبات الغربية بهدف ضمان استمرار تدفق النفط الإيراني إلى السوق الصينية.
تاريخ العلاقة الاقتصادية
تعود العلاقات التجارية بين إيران والصين إلى عقود، لكنها شهدت تحولًا جذريًا بعد فرض العقوبات الغربية المتتالية على طهران، منذ عام 2012، عندما شُددت العقوبات على قطاع النفط الإيراني، وجدت إيران في الصين شريكًا بديلًا عن أوروبا.
بعد رفع العقوبات بموجب الاتفاق النووي 2016-2018، عادت إيران بقوة إلى السوق النفطية، لكن فرض العقوبات الأمريكية مرة أخرى في 2018 تحت إدارة ترامب دفع بكين لتعزيز شراكتها مع طهران.
ومن 2020-2023: أصبحت الصين أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، حيث تستورد ما يقارب مليون برميل يوميًا عبر مصافي “أباريق الشاي” المستقلة في إقليم شاندونغ الصينى.
التأثير على التجارة البينية
ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 10 مليارات دولار عام 2010 إلى أكثر من 30 مليارًا في 2023، ليشكل 80% من صادرات إيران إلى الصين، بينما تصدر الصين إلى إيران معدات تكنولوجية وبنية تحتية.
حرب الظل.. كيف تتجاوز إيران والصين العقوبات؟
تجاوزت كل من الصين وإيران العقوبات بالإلتفاف عليها بإجراءت تضمنت نقل النفط من سفينة إلى أخرى في المياه الدولية، وكانت ماليزيا وسنغافورة نقاطًا رئيسية لعمليات النقل قبل تشديد المراقبة، واستخدام “سفن الزومبي” وهي ناقلات تنتحل هويات سفن تم إلغاؤها أو تحويلها إلى خردة
وعلى سبيل المثال سفينة “غاذر فيو” التي تظاهرت بأنها السفينة “غلوبال” (المحولة للخردة منذ 2021) لتفادي العقوبات، والاعتماد على الموانئ الخاصة في الصين مثل ميناء دونغ ينغ، الذي انفصل عن مجموعة “شاندونغ بورت” ليكون منفذًا للشحنات المحظورة.
المخاطر والتداعيات
في مارس 2024، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على ميناء صيني لاستقباله نفطًا إيرانيًا، وأي شحنة يتم ضبطها قد تُصادر (مثل شحنة بقيمة 120 مليون دولار في أبريل 2024).
لماذا تستمر بكين في شراء النفط الإيراني رغم العقوبات؟
يحدث ذلك لانخفاض أسعار النفط الإيراني الذى يُباع بخصم يصل إلى 10-15 دولارًا تحت سعر السوق، بالإضافة لأهميته لمصافي البترول “أباريق الشاي” الصينية الصغيرة التى تعتمد على النفط الرخيص لتحقيق هامش ربح ضئيل.
أسباب سياسية
تعزيز التحالف مع إيران كجزء من سياسة مواجهة الهيمنة الأمريكية، وضمان مصادر طاقة بديلة وسط التوترات مع واشنطن.
مستقبل تجارة النفط الإيراني
مراقبون فى مجال النفط أكدوا: “مع استمرار ارتفاع أسعار النفط عالميًا، تزداد أهمية التدفقات الخفية للنفط الإيراني إلى الصين، لكن الأساليب المبتكرة مثل “سفن الزومبي” قد لا تكون حلًا دائمًا، خاصة مع تطور آليات الرقابة الغربية والسؤال الأكبر: هل ستنجح واشنطن في كبح هذا التدفق، أم أن إيران والصين ستستمران في ابتكار طرق جديدة لتحقيق مصالحهما المشتركة؟”.