سير وشخصيات

الإمام “مُحَمّد الخضر حُسَين”.. شيخ الأزهر المجاهد

– عالم دين جزائري الجذور، تونسي المولد والنشأة، مصري الإقامة والعمل والوفاة.

تولى مشيخة الأزهر، من 1952م – 1954م.. ولم يقدر عليه (جنرالات يوليو 1952م)، وتحدى العلمانيين، وكانت حروبه للدفاع عن الإسلام، في كل اتجاه، ولذا قال العلماء عنه: “أسد الأزهر”

(محمد الخضر حسين علي عمر)

(16 أغسطس 1876م – 28 فبراير 1958م)

– وُلدَ الشيخ محمد الخضر حسين، بمدينة نفطة التونسية، في (16 أغسطس 1876م)، فحفظ القرآن الكريم، وتعلَّم مباديء القراءة والكتابة، ثم انتقل مع أسرته إلى تونس العاصمة، سنة 1887م، والتحق بجامع الزيتونة، وكانت الدراسة فيه صورة مصغّرة من التعليم في الجامع الأزهر في ذلك الوقت.

– من أسرة كريمة، أصلها من الجزائر، تنتمي إلى قبيلة الأدارسة التي حكمت المغرب العربي فترة من الزمان،

– كان الخضر حسين، غزير العلم، واسع الأُفق، فصيح العبارة، محبًّا للإصلاح، فأنشأ مجلة (السعادة العظمى) سنة 1902م، وهي أول مجلة عربية ظهرت في تونس، لتوقظ الغافلين من أبناء أمته، وتفضح أساليب الاستعمار، وترشد الناس إلى مباديء الإسلام وشرائعه.

– بعد جولة في العديد من الدولة العربية والإسلامية ومطاردة فرنسا له، جاء محمد الخضر الحسين للقاهرة سنة 1920م، واشتغل بالبحث وكتابة المقالات، ثم عمل محررًا بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، واتصل بأعلام النهضة الإسلامية في مصر، وتوثقت علاقته بهم، وحصل على الجنسية المصرية، وتقدَّم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر، وعُقدت له لجنة الامتحان برئاسة العلّامة عبد المجيد اللبّان، مع نخبة من علماء الأزهر الأفذاذ، وأبدى الطالب محمد الخضر حسين من رسوخ القدم ما أدهش الممتحنين، وكانت اللجنة كلما تعمَّقت في الأسئلة وجدت من الطالب عُمقًا في الإجابة وغزارة في العلم، وقوة في الحُجة، فمنحته اللجنة شهادة العالمية، وبلغ من إعجاب رئيس اللجنة بالطالب العالم أن قال: “هذا بحرٌ لا ساحل له، فكيف نقف معه في حِجاج”.

– اتجه الشيخ إلى تأسيس الجمعيات الإسلامية، فاشترك مع جماعة من الغيورين على الإسلام سنة 1928م، في إنشاء جمعية الشبان المسلمين، ووضع لائحتها الأولى مع صديقه “محب الدين الخطيب”، وقامت الجمعية بنشر مباديء الإسلام، ومحاربة الإلحاد العلمي.. وأنشأ أيضا “جمعية الهداية الإسلامية” وكان نشاطها علميا أكثر منه اجتماعيا، وضمَّت عددا من شيوخ الأزهر وشبابه وطائفة من المثقفين، وكـوَّن بها مكتبة كبيرة كانت مكتبته الخاصة نواة لها، وأصدر مجلة باسمها كانت تحمل الروائع من التفسير والتشريع واللغة والتاريخ.

– تولّى رئاسة تحرير مجلة نور الإسلام (مجلة الأزهر الآن) التي أصدرها الأزهر في 1931م، ودامت رئاسته لها 3 أعوام، كما تولّى رئاسة تحرير مجلة “لواء الإسلام” سنة 1946م، وتحمّل إلى هذه الأعباء؛ التدريس بكلية أصول الدين،

– عند تأسيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، سنة 1932م، كان من الرعيل الأول الذين اختيروا لعضويته، كما اختير عضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق، وأثرى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ببحوثه القـيّـمة عن صحة الاستشهاد بالحديث النبوي، والمجاز والنقل وأثرهما في حياة اللغة العربية، وطرائق وضع المصطلحات الطبية وتوحيدها في البلاد العربية.

مشيخة الأزهر:

– حصل على عضوية هيئة كبار العلماء برسالته “القياس في اللغة العربية” سنة 1950م، ثم اختير شيخا للأزهر في 16 سبتمبر 1952م، بإجماع العلماء

– كان في ذهن الشيخ حين وُلّي المنصب الكبير؛ وسائل لبعث النهضة في مؤسسة الأزهر، وبرامج للإصلاح، لكنه لم يتمكن من ذلك، بسبب الفكر العلماني الكاره للإسلام من ضباط ثورة يوليو 1952م..

– قدم استقالته احتجاجًا على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان من رأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب اندماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛ لأن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع، وكانت استقالته في يناير 1954م،

ويُذكر له في أثناء توليه مشيخة الأزهر قولته: (إن الأزهر أمانة في عنقي أسلّمها حين أسلمها موفورة كاملة، وإذا لم يتأت أن يحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي، فلا أقل من أن لا يحصل له نقص).. وكان كثيرا ما يردد: (يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدها العفاء).

– أرسـل جمال عبـد الناصـر يستفتيه فـى وصف جمـاعة الإخـوان المسلمـين “علـى أنّها جماعة إرهابيّة ومـن الخـوارج”، فصعد الإمام الجليـل علـى منبـر الأزهـر وخطب فـى النّـاس قائلا:

(لقد عشتُ خادمًا لدينـي لا مستخـدما له..ويكفـي العبد الفقيـر كسرة خبـز، وشربة مـاء، وما أكثـر الفضاء فـي ملكـوت الله .. وإنّى أُشْهِد الله أنّ الإخـوان المسلميـن دعـوة ربّانية، عرفتهُم مياديـن البـذل والعطاء والجهـاد والتضحية.. لم يخونـوا ولم يغـدروا بما علِمتُ عنهم.. وها أنا ذا أُعلـن استقالتي من كلّ منصبٍ يحُول بينـي وبيـن إرضاء ربي)

حروب الخضر حسين الفكرية:

– الكتاب الأول ظهر في سنة 1926م، (الإسلام وأصول الحكم) لـ علي عبد الرازق، وقد أثار ضجة كبيرة، وانبرت الأقلام بين هجومٍ عليه ودفاع عنه، وقد صدم الكتاب الرأي العام المسلم حين زعم أن الإسلام ليس دين حُكم، وأنكر وجوب قيام الخلافة الإسلامية، ونفى وجود دليل عليها من الكتاب والسنة، وكانت الصدمة الثانية أن يكون مؤلف هذا الكتاب عالمًا من علماء الأزهر.

– نهض الشيخ محمد الخضر حسين لتفنيد دعاوى الكتاب فأصدر كتابه: (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) سنة 1926م، تتـبّع فيه أبواب كتاب علي عبد الرازق، فكان يبدأ بتلخيص الباب، ثم يورد الفقرة التي تعبّر عن الفكرة موضوع النقد فيفنّدها، ونقد استخدام المؤلف للمصادر، وكشف أنه يقتطع الجُمل من سياقها، فتؤدي المعنى الذي يقصده هو، لا المعنى الذي يريده المؤلف.

وقد كشف الخضر حسين في هذا الكتاب عن علم غزير، وإحاطة متمكنة بأصول الفقه، وبصيرة نافذة بالتشريع الإسلامي، ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي ورجاله وحوادثه.

– أمَّا الكتاب الآخر فقد ظهر سنة 1927م، وأحدث ضجة هائلة، (في الشعر الجاهلي) لطه حسين، وكان الشيخ محمد الخضر حسين واحدًا ممن خاضوا هذه المعركة بالحُجة القاهرة، فقد جاهر مؤلفه الدكتور طه حسين بالاحتقار والشك في كل قديم دُوِّن في صحف الأدب، وزعم أن كل ما يُعد شعرًا جاهليًا إنما هو مختلق ومنحول، ولم يكتفِ بهذه الفرية، فجاهر بالهجوم على المقدسات الدينية حيث قال: (للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، ولكن هذا لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي…). وقد انبرت أقلام غيورة لتفنيد ما جاء في كتاب “الشعر الجاهلي” من أمثال الرافعي، والغمراوي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضر حسين الذي ألَّف كتابا شافيا في الرد على “طه حسين” بعنوان: (نقض كتاب في الشعر الجاهلي) فنَّد ما جاء فيه، وأقام الأدلة على أصالة الشعر الجاهلي، وكشف عن مجافاة طه حسين للحق، واعتماده على ما كتبه المستشرق الإنجليزي مرجليوث دون أن يذكر ذلك.

من مؤلفاته:

1- رسائل الإصلاح (3 مجلدات)، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية ووسائل النهوض بالعالم الإسلامي.

2- الخيال في الشعر العربي.

3- القياس في اللغة العربية.

4- ديوان شعر (خواطر الحياة).

5- نقض كتاب الإسلام وأصول الحُكم.

6- نقض كتاب في الشعر الجاهلي.

7- آداب الحرب في الإسلام.

8- أبحاث ومقالات عديدة نشرها في مجلة الأزهر (نور الإسلام)، ولواء الإسلام، والهداية الإسلامية، وغيرها.

9- تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي.

= بالإضافة إلى أبحاثة في المجمع اللغوي، وكان أشهرها:

1- المجاز والنقل وأثرهما في حياة اللغة العربية

2- الاستشهاد بالحديث في اللغة

3- وصف جمع العاقل بصيغة فعلاء

4- اسم المصدر في المعجم

5- طرق وضع المصطلحات الطبية وتوحيدها في البلاد العربية

6- شعر البديع في نظر الأدباء

7- من وُثِّقَ من علماء العربية ومن طُعِنَ فيه

وفاته:

بعد استقالته من المشيخة، تفرغ للبحث والمحاضرة حتى لبى نداء ربه في مساء الأحد (13 من رجب 1377هـ = 28 من فبراير 1958م)، ودُفن بجوار صديقه: أحمد تيمور باشا، بوصية منه، ونعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: (إن الشيخ اجتمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في النّدْرَى، فقد كان عالما ضليعا بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شئونهم، حفيظا على العروبة والدين، يردّ ما يوجه إليهما وما يصدر من الأفكار منابذًا لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عف اللسان والقلم …).

—————–

المصدر:

(موسوعة “شموسٌ خلفَ غيوم التأريخ” – يسري الخطيب)

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى