مضر أبو الهيجاء
ابتليت الأعمال الإسلامية الحركية بتضخيم ركنية إقامة الدولة على حساب مركزية الدعوة الإسلامية!
من المقطوع به أن السعي لإقامة الدولة واجب شرعي، حيث لا يتم بدونه واجب أكبر وأساس هو تمكين دين الله في الأرض.
إن استهداف إقامة الدولة ليس مطلوبا لذاته بل مطلوب لغيره، وهو وسيلة لازمة وأداة فاعلة وناجعة تعين على إقامة دين الله في الأرض، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ومن نافلة القول إن دين الله لا ينتشر ولا يمكن أن يمكن له في الأرض دون القيام بواجب الدعوة إلى الله، وهو عين الواجب الذي لأجله بعث الله جميع الرسل والأنبياء.
إن من آفات الأعمال الإسلامية المعاصرة أنها ضخمت ركنية الدولة على حساب الركن الرئيسي والواجب الأساس، وهو الدعوة إلى الله.
ولعل تلك الآفة تظهر في إضعاف دور وصلاحيات الدعاة إلى الله والعلماء، كما تظهر في منع استقلاليهم، وذلك بأساليب وأدوات كثيرة، الأمر الذي يبرز خلافه في تاريخ أمتنا من حيث دور ومكانة واستقلالية العلماء عن الدولة، وتشير لذلك الأوقاف التي أشرف عليها العلماء وشكلت رافعة للدعوة والعلم والتعلم، وتنزه العلماء من خلالها عن الخضوع القهري للدولة، بل كان دورهم توجيهها وتسديدها وترشيدها، ونصرتها مادامت تسير وفق هدى الاسلام ووفق ما يحقق منافع للناس.
من المهم جدا في سياق المحافظة على سوية الدول أن يظل العلماء والأطر العلمائية، يتمتعون بهامش حقيقي وحرية مطلقة، وصلاحيات علية، ليقوموا بواجبين رئيسيين لا ينوب فيهما عنهم أحد، وهما:
أولا: الدعوة إلى الله وتعبيد الخلق لله، ومواجهة الشبهات التي لابد وأن تعترض مسار الأمة.
ثانيا: تشكيل صمام الأمان للمجتمع والدولة، وذلك من خلال أدوار وواجبات تجاه المجتمع ونسيجه القائم، وكذلك واجب تجاه الدولة وتحقيق تماسكها والذود عنها لتقوم بدورها بواجب تحقيق العدل ورعاية شؤون الشعب.
وخلاصة القول:
إن الدولة السورية الجديدة التي يبنيها أهلها بعد زوال الطاغية، لابد أن تحافظ على مركزية المشروع الدعوي باعتباره أساس شرعية وركنية الدولة، كما لابد أن تعزز استقلالية العلماء وأن تحافظ على أطرهم الجامعة والتي تشكل صمام الأمان أمام أي فتنة.
وبكلمة يمكن القول إن الذي يحفظ الدولة في مواجهة التحديات الخارجية الكبرى هو وقوف الشعب خلفها وإلى جانبها، وإن الذي يحفظ سوية المجتمعات وتماسك نسيجها ويقوم على الدوام بتنقيتها من العلل والأمراض التي تعتريها هو العلماء ومؤسساتهم وأطرهم السوية والشرعية.. فهل وصلت الفكرة؟