المشروع الإيراني المعادي ليس فارسياً ولا صفوياً ولا رافضياً!.. فماذا إذن يكون؟
بقلم: مضر أبو الهيجاء
لا شكَّ أنَّ الإسلام نفسه والمسلمون اليوم هم من ضحايا المشروع الإيراني المعادي الحاقد واللئيم. فقد نزف من دماء العرب والمسلمين على أيدي المشروع الإيراني منذ أن تشكلت دولة الملالي عام 1979 وحتى 2024 -أي نصف قرن تقريباً- أكثر مما نزف من دماء الموحدين على أيدي اليهود المعتدين والحاقدين والمحتلين منذ أن عصوا نبي الله موسى وقالوا له: ﴿يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف: 138] وحتى يومنا هذا في معارك الإبادة الجماعية في غزة الصامدة وعموم فلسطين!
كما تضرر دين الإسلام في عقيدته وشريعته جرَّاء تحريف الشيعة حقائق وأحكام الدِّين، ونجاحهم في تبديل دين جزء مهم من جسد المسلمين العرب والفرس والكرد قهراً، عداك عن الملايين الذين قتلوهم.
ورغم ركنية دين الشيعة ومركزية معتقداتهم الضالة -الأقرب للباطنية- ورغم قيمة ودلالة تاريخ الدولة الصفوية، ورغم قيمة ودلالة تاريخ الإمبراطورية الفارسية، ورغم قيمة كلِّ هذا ودلالاته في المشروع الإيراني.. إلَّا أنَّني لا أعتقد بصوابية وعدالة ودقة الدلالة العلمية بتوصيف المشروع الإيراني ووصفه بمشروع الرافضة أو المشروع الصفوي أو المشروع الفارسي! فماذا يكون إذن؟
إنَّ المصطلحات الثلاثة: (التشيع، والصفوية، والفارسية) فيها ثغرات علمية موضوعية، وتوصيفات غير شرعية، ودلالات طائفية سياسية مغرضة!
أولاً، إشكالية توصيف المشروع الإيراني بالفارسي:
يتصادم هذا التوصيف مع قيم الدِّين وتصوُّرات الإسلام العظيم الذي لم يقِم وزناً للأعراق، ولم يفضِّل بعضها على بعض، بل حارب الإسلام المفهوم العرقي، وزجر النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ من أشار إليه، بل وصف النبي عليه الصلاة والسلام سلمان الفارسي بقوله: «سلمان منا آل البيت». ناسباً ومشرفاً له.
كما أبرز القرآن عظمة خلق الله في تنوع الأعراق، كما هي الأعراق العربية والفارسية والكردية والتركية والهندية والبربرية وغيرها، ومشيراً إلى الدلالة المنهجية القرآنية من حيث الأفضلية والتي جعل محلَّها التقوى دون أي قيمة عرقية.
وقد أشارت السنة النبوية الى فارس والفرس بالمدح والثناء في سياقات مختلفة، فمن أين جاء هذا التوصيف الظالم الذي يدني ويحقر من قيمة الفرس في إطار الخطاب الإسلامي القيمي والراشد؟
بلا شك إنَّ قصد التحقير والإشارة بالاتهام عند التوصيف بكلمة الفارسي جاءت موروثة عن مناهج القومية العربية الجاهلية والتي حكمت عدة دول من دول المنطقة، ولم تأتِ نتيجة تصوُّر شرعي ولا دلالة موضوعية.
ثانياً، إشكالية توصيف المشروع الإيراني بالصفوي:
تشكَّلت الدولة الصفوية في إيران في بداية القرن الخامس عشر الميلادي، فيما تشكَّلت دولة الملالي في إيران في نهاية القرن العشرين، ويفصل بين الدولتين خمسة قرون كاملة شهدت تطورات وتبدلات كبيرة ومهمَّة ومعتبرة في التفريق بينهما وعدم اعتبار إحداهما امتداداً للأخرى.
كما إنَّ الدولة الصفوية تأسست على يد الشاه إسماعيل الصفوي وهو من أحفاد الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي -الجد الخامس لإسماعيل الصفوي الذي ينسبه البعض دون دليل معتبر للإمام موسى الكاظم- وفيما ينتسب إسماعيل الصفوي للعرق التركي كما كان جده صفي الدين تركمانياً وزعيم حركة صوفية، فإن الإمام الخميني الذي تأسست دولة الملالي الإيرانية في عهده وعلى يديه هندي العرق والنسب.
ومما تجدر الإشارة إليه إلى أنَّ الخميني الهندي الشيعي قام بنقلة مذهبية وسَّعت مفهوم ولي الفقيه وحلَّت إشكالية النفوذ والسلطان والإدارة المرتبطة بالإمام الغائب، ونقلت هذه المواصفات والصلاحيات إلى ولي الفقيه الذي ينوب عن الامام والذي يتصرف بالأكوان، فيما لم يجد الشاه إسماعيل الصفوي -امتداد مدرسة التصوف- أحداً غير العرب يستعين به ليشيع دين الشيعة في إقليم فارس وبين قبائلها غير العلماء العرب الشيعة الذين جلبهم من جبل عامل في لبنان.
وبكلمة يمكن القول إنَّ وصف إيران الحالية بالصفوية مجافٍ للواقع الموضوعي والتاريخي بشكله العلمي والدقيق حيث لا يراعي فوارق النشأة والانتماء والأبعاد السياسية وأصول الانتماء والتطورات المذهبية الفارقة.
ثالثاً، إشكالية توصيف المشروع الإيراني بالشيعي الرافضي:
تكمن إشكالية هذا التوصيف في جوانب ثلاثة، خلافية وسياسية ومنهجية.
الجانب الخلافي:
تتوضح آثار إشكالية هذا الخلاف بين فريقين يرى الأول أن جوهر المشروع الإيراني هو مشروع شيعي ديني، ويرى الفريق الثاني أن المشروع الإيراني مشروع سياسي يستخدم التشيع ويمتطي الشيعة.
وأعتقد أن المشروع الإيراني تطور من مشروع ديني عميق يتضمن بعداً سياسياً إلى مشروع سياسي عميق يحمل بعداً دينياً، وحساسية الخلاف في تلك النقطة هي في دلالات كل فهم على أشكال التعامل الواجبة تجاه المشروع الإيراني مداً وجزراً أو تقارباً وابتعاداً.
الجانب السياسي:
نتبين عدم الدقة والاضطراب في توصيف المشروع الإيراني بالشيعي في أنَّ المشروع الإيراني الذي شهد تطوراً قد ضم في فضائه الكثير من غير الشيعة، سواء من المسلمين أو من غيرهم.
إنَّ توسع البعد السياسي في المشروع والإيقاع الإيراني -لا سيَّما بعد بلورة محور المقاومة- الذي سحر الجماهير بعنوان المقاومة والتحرير، وخدعها بتقمص دور التحدي والمواجهة مع الإدارة الأمريكية المتغطرسة – فيما حقيقة وجوهر تفاعله مع الإدارة الأمريكية وعموم الغرب هو شكل وحجم نفوذه والمحاصصة التي تليق بدوره-
إنَّ توسُّع هذا الصراع في شكله الظاهر سيدفع أفراداً ونخباً وكتلاً من أحرار المنطقة ومن غير الشيعة للانضمام إليه وإسناده والتفاعل معه، وقد برز عددٌ من الشخصيات العلمانية والقومية العربية من غير الشيعة في موقف مساند ومتعاون.
كما إنَّ إشكالية هذا التوصيف هو في أنَّه يقطع جسور التفاهمات اللازمة والممكنة مع الشيعة المعادين لإيران سياسياً مثل الشيخ حسين فضل الله وآية الله أحمد البغدادي وغيرهم من الشخصيات الشيعية السياسية المناوئة لإيران لا سيَّما في العراق.
الجانب المنهجي:
إنَّ من أكبر مساوئ توصيف المشروع الإيراني بالرافضي في أنَّه يبرئ الجاني ويجعل الضحية هي الجلاد.
وإن استدعاء التاريخ القديم والذي عمره 1300 عاماً، عبر تبنِّي مصطلحاته وتوصيفاته المعبرة عن أحداث بعينها يشير أولاً إلى عدم الإنصاف وغياب الموضوعية في التعامل مع مكوِّن مختلف.
كما إنَّ هذا التوصيف يوحي بأنَّ المسلمين رغم أنهم ضحايا الظلم والاعتداء الإيراني أمسوا طائفيين وأصحاب خطاب طائفي بامتياز، وهو نوع من الانزلاق في الاتجاه الذي يريده ملالي إيران!
كما إنَّ هذا المنهج في توصيفه غير الموفَّق فاقدٌ للحكمة في شكل التعامل الوقائي اللازم تجاه شعوب الأمَّة وجماعاتها ونخبها، إذ تظهر إيران وملاليها بصورة المقاوم الذي يضرب إسرائيل ويسبُّ أمريكا، فيما المسلمون المضطهدون من أمريكا والمعتدى عليهم من قبل الإسرائيليين يشتمون من يقاوم محتل بلادهم وقاتل أبنائهم ويصفونه بأوصاف طائفية رافضية نتيجة غرقهم في التاريخ القديم وعدم قدرتهم على تجاوزه، الأمر الذي يطعن في نضجهم ونزاهتهم عند عموم الشعوب العاطفية!
إنَّ الخطاب الخاطئ يجعل العاقل لا يستوعب كيف لمظلوم يخضع لاحتلال من عدو قاهر أن يسبَّ ويلعن من يدافع عن قضاياه ويتصدر لمواجهة قاتله، وهو فهم ومعنى يشير إليه الخطاب الإسلامي -السلفي على وجه الخصوص- الذي يتبنَّى مصطلحات تاريخية كالرافضة والنواصب ويريد أن يُغرق الناس بها، فيما دماء الناس تنزف!
لقد أسهم الخطاب الإسلامي العليل تجاه المشروع الإيراني – لا سيَّما في معركة طوفان الأقصى- بنقل جزء من جماهير العرب والمسلمين إلى المعسكر الإيراني مع كلِّ رشقة صواريخ إيرانية يعقبها خطاب إسلامي عليل وقاصر.
كما إنَّ عدم تجديد الخطاب الإسلامي وإعادة تقويمه وضبط مصطلحاته ومفاهيمه -دون الانجرار خلف أفعال الطائفيين في إيران- سيدخل لا محالة من تبقى مرتاباً من جماهير المسلمين تجاه المشروع الإيراني في مرحلة شك وريبة، الأمر الذي يوجب إعادة بلورة خطاب صحيح مسؤول وواع.
ومما يعزِّز الريبة والشكَّ وضعف وقاية شعوب العرب والمسلمين تجاه عدوى المشروع الإيراني، هو موقف الحركات الإسلامية سواء الإخوانية التي لم تحسم بعد موقفها ولم تصدر حكمها النهائي حول التشيع وحول إيران وملاليها، وذلك منذ زمن حسن البنا وإنشاء دار التقريب بين السنة والشيعة وحتى زمن حركة حماس التي تحالفت بشكل فولاذي مع إيران، خلافاً لموقف الشيخ القرضاوي قبل وفاته، حيث لم تتبناه حركات الإخوان المسلمين في واقع الحال حتى لو مال إليه بعضهم في المقال، أو الحركات السلفية التي بانت ضعيفة وقاصرة وخطابها إشكالي تجاه إيران، وذلك حين أوقعت نفسها دون أن تدري بوصف الطائفية بسبب استجلابها لأوصاف تاريخية في مواجهة من يعلن عن خطاب سياسي مناوئ لأمريكا وجهادي يسعى لقتال المحتل الإسرائيلي ويبذل الغالي والنفيس!
فإذا استمرت حركات الإخوان المسلمين في خطابها وموقفها الضبابي تجاه إيران فإن إيران ستختطف نصف أمتنا وشعوبنا العربية والإسلامية تحت عنوان فلسطين، أمَّا إن استمر خطاب الحركات السلفية بهذه الهشاشة والبساطة واستمرأت التجمل بالمصطلحات التاريخية فسوف يتركنا النصف الآخر من الأمَّة وتنفض من حولنا شعوبنا العربية والإسلامية!
التوصيف الأسلم والأحكم للمشروع الإيراني:
إنَّ أدقَّ توصيف يعبر بشكل علمي موضوعي عن هذا المشروع هو: مشروع ملالي إيران، حيث تتضمن الجملة ثلاث كلمات تعبِّر كلُّ واحدة منها عن معنى حقيقي مشهود، الأمر الذي يوجب بناء خطاب ومشروع وقائي.
إنَّ مصطلح الملالي يشير بوضوح للبعد الديني، كما إنَّ إيران تشير بخطابها وفعلها إلى توجه سياسي، أما المشروع فهو حقيقة خطرة مكَّنت الملالي من مشروع سياسي حاز على دولة.