مقالات

الهيثم زعفان يكتب: التعبئة الإغاثية لأهلنا في غزة

هناك ثلاث مسلمات رئيسة ينبغي وضعهم في الحسبان عند التعامل الإغاثي مع أهلنا في غزة:

 الأولى..

قوة المقاومة الفلسطينية وصلابتها واستعانتها بالله-سبحانه وتعالى- وإيلامها للعدو الصهيوني، وإيمانها بأنها أمام «معركة وجودية» لن يوضع فيها السلاح إلا بعد تحرير المسجد الأقصى، وتطهير كافة الأراضي الفلسطينية من دنس اليهود- بإذن الله-.

 الثانية..

صمود أهلنا في غزة ورفضهم القاطع لتكرار تجارب النزوح الجماعي الخارجي في ٤٨ وفي ١٩٦٧م، فالزمان غير الزمان، والمقاومة أقوى، والعدو أضعف.

 الثالثة..

صلابة الموقف المصري في رفضه لسياسة تهجير الفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية، وتفريغ غزة من أهلها، مع ثبات الموقف الاستراتيجي المصري في دعم أهلنا في غزة، وفي كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومساندتهم وعدم التخلي عنهم مهما تعرضوا للغدر أو الخيانة أو المقامرة من الآخرين.

 هذه المعادلة الثلاثية المعقدة فرضت نفسها على أرض الواقع؛ والأمة الإسلامية الآن في حالة حرب مع عدو جبان مهتز محتل للأرض والمقدسات، وكما انتفضت أوروبا في أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية لمعالجة أزمة النزوح وتأسيس مفوضيتهم السامية لإغاثة منكوبي الحرب العالمية وكانوا بعشرات الملايين من الأوروبيين،

فمن حق أمتنا الإسلامية أن تنتفض لأجل نصرة وإغاثة أهلنا في غزة بقدر ما وهبها الله- سبحانه وتعالى- من قوة بشرية، وثروات وخيرات وإمكانات مالية ومادية وتسليحية لم تشهدها الأمة منذ قرون، منحها الله إياها ليختبرها فيها، وقادر أن يسلبها في لحظة، وشواهد سلب النعم والقوة وتغير الأحوال كثيرة.

 وتأسيساً على ما سبق فإن الأمة الإسلامية إن كانت «مقيدة» الآن عن «التعبئة العسكرية الجماعية الكاملة» للقضاء العاجل والتام على العدو الصهيوني- وهو أمر ميسور بالحسابات والموازنات العسكرية، وواجب شرعي ملزم سنسأل عنه جميعاً يوم القيامة- فليس أقل من أن تقوم الأمة بعمل «تعبئة إغاثية جماعية موسعة لإغاثة أهل غزة» تشمل كافة الدول العربية والإسلامية رسمياً وشعبياً وتكون أضعاف الإغاثة الراهنة الموجهة لغزة.

 إن مكونات تلك التعبئة الإغاثية الشاملة لأهلنا في غزة يمكنها أن تأخذ الصورة التالية:

أولاً..

الضغط العربي والإسلامي على أمريكا وأوروبا لإلزامهم بفرض الإدخال الآمن والمستمر والمكثف لكافة المساعدات الإغاثية العربية والإسلامية والدولية لقطاع غزة؛ وهناك أوراق ضغط عربية وإسلامية كثيرة يمكنها تحقيق هذه المعادلة؛ منها على سبيل المثال:

(وقف إمداد أوروبا بالغاز والكهرباء في هذا الشتاء- سحب أجزاء من الأموال العربية والإسلامية المغتربة في البنوك الأوروبية والأمريكية- إعادة النظر في الصفقات والتعاقدات التجارية والعسكرية الكبرى مع الغرب وتعليقها إلى حين تحقيق الأهداف الإغاثية- وقف جسور وقوافل الإمداد الغذائي واللوجستي للعدو الصهيوني العابرة من خلال بعض الدول العربية)؛ وغيرها الكثير من أوراق الضغط المؤثرة والمعلومة لدى دوائر صنع القرار.

 ثانياً..

أحسب أن أهل غزة الآن هم من أكثر المسلمين احتياجاً للزكاة الشرعية وهذا استحقاق ليس فيه أي تفضل عليهم؛ وجميعنا يعلم أن استحقاق زكاة الأمة الإسلامية في واقعنا الراهن سنوياً يقدر بتريليونات الدولارات، ابتداءً من خمس ثروات باطن الأرض مروراً بزكاة أصحاب المليارات والملايين انتهاءً بكل من بلغ النصاب واكتملت لديه شروط الاستحقاق؛ وتحصيل الزكاة وإنفاقها في مصارفها يمثل مسؤولية شرعية يشترك فيها الراعي والرعية.

 ثالثاً..

إطلاق حملات جمع التبرعات الجماهيرية المالية والعينية الموسعة والمستمرة في مصر والسعودية وتركيا وكافة الدول العربية والإسلامية، مع إحداث حالة من التعبئة الشعبية الإغاثية المستمرة في الشارع العربي والإسلامي للتضامن العملي مع أهلنا في غزة، فضلاً عن فتح باب المساهمات الرسمية وعطاءات الأثرياء، مع التوجيه المؤقت لحصص من أموال ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات الكبرى في العالم العربي والإسلامي لصالح الإغاثة في غزة.

 رابعاً..

إعلان حالة الطوارئ والتعبئة الإغاثية داخل المؤسسات الخيرية والإغاثية العربية والإسلامية، ويمكن البدء باجتماع إغاثي طارئ يكون في حالة انعقاد دائم بالقاهرة -أو أي عاصمة إسلامية مختارة- يضم منسوبي المؤسسات الإغاثية الكبرى في العالم الإسلامي، لمزيد من تفعيل وتوسيع عمليات الإغاثة القائمة، وطرح كافة الخطط الإغاثية البديلة في ظل المتغيرات العسكرية في ميدان الإغاثة وهو قطاع غزة.

 خامساً..

إعلان التعبئة الإعلامية الإغاثية في كافة المساجد والمنابر ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية في العالم العربي والإسلامي من أجل مزيد من الاستنفار والحشد الإغاثي المحلي والدولي لصالح أهلنا في غزة.

 أيها الفضلاء الكرام من حكام الدول الإسلامية ورعاياها أذكر نفسي وإياكم بتقوى الله، وإدراك ما تبقى من العمر (أغيثوا غزة بحق لا إله إلا الله)، وفعلوا التعبئة الإغاثية المكثفة لصالح أهلنا في غزة، فالأيام دول، ودوام الحال من المحال.

الهيثم زعفان

كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، مصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى