مضر أبو الهيجاء
تعيش الثورة السورية مخاض ولادة عسيرة، حيث يسعى أهلها لإنجاح الولادة والفرح بمولودهم الجديد، فيما يسعى الحاقدون لإجهاض الوليد الذي طال انتظاره، أو تعويق ولادته ليختنق بالحبل السري ويموت، أو يخرج وقد تشوه لينمو معاقا فاقدا للقدرات المستقلة والذاتية، ولا يقوى على العيش بدون معونة ورعاية خارجية مهما نمى وتضخم!
إن من يعرف قيمة الشام، ودورها المؤثر في تاريخ الشرق والغرب، يدرك أن ما حصل في 8/12/2024 هو نصر عظيم بلا تكاليف حقيقية باهظة ومتوقعة، فهو حدث غير عادي، ولم يكن منتظرا في ميزان التوازنات والحسابات السياسية، الأمر الذي يشير الى لطف الله سبحانه وتعالى مهما تداخلت الأسباب والترتيبات والتفاهمات البشرية، فدمشق ودمشق تحديدا ثمنها أنهار من الدماء، فالحمد لله الذي سلمها من سيل الدماء، وأطعم أهلها من جوع وآمنهم من خوف.
وقد شهدت الثورة الزاحفة والساحة السورية المتحررة حالة انعدام توازن يمكن الاشارة لأسبابها:
1/ انقلاب الموقف الأمريكي لصالح الثورة والشعب السوري بشكل ابتدائي، وهو الذي عزز سابقا وطوال فترة الثورة دور بشار الأسد القاتل، وأمده بكل أسباب الحياة، وأعاد تأهيله، ومكنه من قتل الشعب السوري -كأبيه- دون أن يتخذ أي موقف حقيقي، تماما كما مكن نتنياهو من قتل الفلسطينيين!
2/ انقلاب دور الحليف الاستراتيجي التركي من العاجز عن نصرة السوريين -رغم سعيه الصادق ومواقفه المشرفة-، الى دور فاعل ومؤثر وصاحب الفضل الأول -بعد الله- في إنجاح الزحف الثوري وفتح مدن الشام، والنجاح في تحييد الروس والإيرانيين عن القيام بدورهم الاجرامي الذي مارسوه طيلة فترة الثورة، وأدى لانحسارها ومنعها من تحقيق أهدافها وإنقاذ الأسد بعد كل سقوط أعقب ضربات الثوار.
3/ انقلاب صورة أبو محمد الجولاني مخفي الوجه والهوية، الى أحمد الشرع سوري الهوية وديع الوجه متواضع وسمح السجية، ومن جهادي سلفي الى إسلامي مدني، ومن ملاحق مطارد يخشى لقاءه عموم الناس، الى قائد محبوب له جماهير تتمنى التقاط صورة الى جانبه ونشرها على وسائل التواصل معه!
وفي ظل حالة انعدام التوازن بين الحقيقة والواقع والخيال، تضطرب الأحوال عند البعض فتغيب واجبات الوقت استجابة لواقع الحال.
ويمكن تقسيم واجب الوقت في الساحة السورية بعد انتصار الثوار الابتدائي الى نوعين:
أولا: واجب تتداخل معه الظروف الموضوعية القاهرة، وتتدخل فيه القوى الغالبة الصديقة والمعادية.
إن واجب تشكيل الحكومة المعبرة عن الثورة، ورسم مسار السياسة الخارجية هو واجب بالغ الحساسية، حيث يرتبط به الداخل والخارج، وينتظره الشعب ليقود قطار التغيير بعد انجاز التحرير ويحقق التمكين.
لا شك بأن وجود أحمد الشرع على سدة الحكم منفردا بصلاحياته الواسعة والمقررة، يشكل ثغرة يمكن أن ينفذ منها الخصوم السياسيين الدوليين والمتدفقين على دمشق ليل نهار، لاسيما أنه انتقل فجأة من ميدان حرب إلى إمارة دولة بلا خبرة ولا تجربة سياسية سابقة!
إن واجب النخب السياسية والعلمية السورية الخبيرة أن تحيط بالقائد أحمد الشرع وتشاركه التفكير والقرار لتجسد حالة مركزية جماعية بديلا عن المركزية الفردية، والتي لن تصل الى ما يحققه العقل الجمعي.
إن تشكيل الإطار الحاكم لدولة بمركزية سورية أمر جلل لا يجوز أن يختزل بفرد كائنا من كان، كما أن رسم السياسة الخارجية لبلد بثقل وتأثير سورية السياسي لا يجوز أن يسلق بشكل فردي على عجل لاسيما مع تكالب القوى الغربية!
وإذا كان الغرب يغازل أحمد الشرع ويتدفق عليه كفرد ليؤطره ويصنع سورية الثانية، فإن واجب علماء الشام وسياسييها الأحرار أن يحيطوا بأخيهم أحمد الشرع ليل نهار، ليصنعوا مسار سورية الجديدة التي يستحقها أهل الشام، بديلا عن سورية الثانية التي يرومها الغرب.
ثانيا: واجب يمتلك إرادته ويقرره وينجزه الفرد والمجتمع، وتتيحه المتغيرات الحالية بسقف حر ومرتفع.
لقد اتصف دور العلماء في تاريخنا الاسلامي بالفاعلية في التوجيه والتسديد، للدرجة التي كان يخضع لها الخلفاء والأمراء، حيث كان دورهم مسددا للطريق ومصححا للأخطاء وجابرا للضرر على اختلاف حال الأمراء الذين لم يكونوا مطلقا بنفس السوية.
إن تشكيل إطار مؤسسي علمي علمائي يتدخل في قضايا الشأن العام الاجتماعي والسياسي في أرض الشام هو واجب الوقت الذي يتصل برعاية أحوال العباد في المعاش والمعاد، وبنفس الوقت يصوغ الدولة ويقومها ويبدي رأيه للجماهير الضاغطة في قضايا السياسة الداخلية بما يمنع الظلم ويحده، والخارجية بما يقي شرور الأعداء، لاسيما وهم اليوم في مرحلة توحش واستعلاء.
كما أن ابداع أطر العمل الشعبي واجب عاجل لبناء الفرد والمجتمع، لتجسيد المضامين الثورية وتعزيز الهوية العربية والإسلامية في أرض مستهدفة من الجميع كسورية الثائرة.
أما الدستور فذاك لوحده تحد كبير ودلالة للنجاح