تحرير سوريا وتغير المعادلات في النظام الإقليمي للمشرق العربي (1)
بقلم: عبد المنعم منيب
بدأت جبهة تحرير الشام وفصائل المعارضة السورية المسلحة هجوما ضد قوات نظام بشار الأسد ومسانديه من مليشيات شيعية غير سورية وروسيا وحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني وذلك في 27 نوفمبر 2024.
انطلق الهجوم من الأراضي المحررة في إدلب بشمال سوريا تلك الأراضي التي تقع تحت الرعاية والتمويل التركي منذ 2015 او حتى قبلها.
واضح لأي عاقل أن هذه القوى المعارضة المسلحة تتمتع بدعم عسكري تركي سخي جدا، فالمسلحون كلهم بزي واحد زي الجيش الوطني السوري الذي أسسته تركيا أصلا، وبكمية وافرة جدا من المركبات (كثير منها مصفح) وكل القوى مسلحة بالأسلحة الثقيلة والصواريخ، واضح أنها كلها جديدة خرجت للتو من صناديقها، ولديها فرع قوي لاستخدام الطائرات بدون طيار للاستطلاع وللهجوم، فلا يمكن تصديق كل الدعاوي التي أطلقت بأن تركيا ليس لها علاقة بالهجوم ولم تكن تعلم به، اذ من أين حصل الثوار على هذا كله ومن دربهم عليه منذ البداية؟؟ فلا منفذ لكل إدلب تتنفس منه تجاه العالم كله سوى تركيا، بينما من الجنوب يحاصرهم ويهاجمهم نظام الأسد وميليشياته ومن الشرق يحصرهم الأكراد ومعهم حلفاؤهم الامريكان.
سذاجة سياسية في المجال العربي العام
إن سذاجة الادعاءات التي تسعى لعزل تركيا عن عمليات تحرير سوريا بدءا من 27 نوفمبر لاتقل عن سذاجة من يدعون أن العمليات جاءت بمعزل عن التغيرات في المعادلات الإقليمية في إقليم المشرق العربي، وكذلك سذاجة من يدعون أن العمليات ما هي إلا أداة إسرائيلية أمريكية لإضعاف المحور الإيراني..(أثناء تبييض هذا التحليل أغارت إسرائيل على مواقع عسكرية استراتيجية في دمشق وفقا لرويترز وذلك بعد أقل من 12 ساعة على تحرير دمشق).
الذي يظهر لنا من مراقبة الوضع بالمنطقة منذ 2011 وحتى الآن والتحليل الدقيق لكل المعلومات أن المايسترو الرئيس في عملية تحرير سوريا حتى الآن هو تركيا وأجهزتها الأمنية والسياسية، فهي التي رعت كل قوى المعارضة المسلحة سرا وعلنا سواء إسلامية أو تقليدية ومولتها وسلحتها ودربتها ونسقت بينها كي تتوحد بدرجة كبيرة ولا تتقاتل بعكس السنوات السابقة، كما حمت إدلب المحررة من اجتياح نظام بشار بدعم روسي وايراني، وقت كانت روسيا وايران بأقوى حالاتها وكانت المعارضة السورية المسلحة بأضعف حالاتها، كما وقفت تركيا بالمرصاد للأكراد المدعومين من أمريكا وألمانيا وإسرائيل وأوروبا وأفسدت خطط إسرائيل مع الأكراد لإقامة دولة كردية تفصل تركيا عن المنطقة العربية عامة عبر فصلها عن سوريا والعراق.
المتغيرات الدولية والإقليمية في المنطقة
أما توقيت العملية فقد جاءت في تزامن دقيق مع التالي:
-غرق روسيا في وحل أوكرانيا لا سيما بعد إعطاء بايدن الضوء الأخضر لأوكرانيا باستخدام السلاح الأمريكي لضرب الأراضي الروسية، مع تدهور مخزون روسيا من السلاح والذخائر وتناقص تعداد قواتها، والخوف من قرارات ترامب العشوائية والتي لا يمكن لأحد أن يتوقعها، وهو القادم للرئاسة الامريكية بعد شهرين.
-فرض إيقاف نار بين لبنان وإسرائيل بشروط تضعف حزب الله اللبناني وتقيد قدرته على تعويض خسائره كما تقيد قدرته على الاضرار بإسرائيل.
-ادراك أمريكا والغرب بخطورة الحالة التي وصل لها المشروع النووي الإيراني، ورفضهم الشروط الإيرانية لصفقة إقليمية على مقاس إيران، وذلك عكس موافقة أوباما على مثل هذه الصفقة في 2016، عندما اطلق يد ايران في سوريا والعراق ولبنان وغيرها، وهو ما أعلن عنه تحت مسمى “الاتفاق النووي”.
-عزم نتنياهو على نقل المعركة ضد إيران الى الأراضي الإيرانية لتوريط “أمريكا/ترامب” في حرب مع ايران من أجل فرض صفقة جديدة مع ايران على مقاس نتنياهو وترامب.
-مباحثات دولة الإمارات مع بشار الأسد كممثلة للعرب وإسرائيل وامريكا كي ينهي بشار الوجود الإيراني في سوريا ويحاصر الوجود الإيراني في لبنان مقابل رفع العقوبات ودعم نظامه عربيا وأمريكيا واستمرت الإمارات في التفاوض معه حتى اندلاع عمليات الثوار في 27 نوفمبر 2024.
-منذ عدة شهور قبل عملية “رد العدوان” كان نظام بشار ومعه مليشيات إيران والشيعة تضغط عسكريا بقسوة وغشم بانتظام على المواقع المحررة في إدلب، وبشكل عام فقد كان بشار الأسد وحلفاؤه من الروس والإيرانيين يسعون منذ سنوات لاستغلال تفاهمات آستانة لإنهاء المعارضة والسيطرة على المناطق المحررة، بدلا من الاستجابة لمطالب المعارضة المشروعة.
وفي ظل كل هذه المتغيرات الدولية والإقليمية جاء هجوم المعارضة السورية المسلحة المدعومة من تركيا هذا الهجوم الذي تكلل منذ ساعات بتحرير سوريا من نظام الطاغية العلوي وأسرته، ولكن هل تم هذا الهجوم بدفع “أمريكي/إسرائيلي” مباشر أم غير مباشر، أم أنه قرار مستقل من المعارضة السورية وحليفها التركي فقط؟؟
السياسة الدولية المعاصرة
من يعي السياسة الدولية المعاصرة يعرف أن هناك دائما قنوات سرية للاتصال حتى بين الأعداء، كما يعرف أن نهج “تركيا/أردوغان” في السياسة الدولية قائم على التدرج واستغلال الفرص والدفع رويدا رويدا والصبر حتى تنضج الفرصة ومن ثم افتراسها بلا تردد، فهو لا يملك قدرة للاصطدام الغاشم مع نظام الهيمنة الدولية “الصهيوصليبي” بعكس ما فعله بوتين في مناسبات عدة آخرها غزوه ضد أوكرانيا، وكان سلوك تركيا هذا واضحا في عملياتها العسكرية لإفشال المخطط “الكردي/الصهيوني” في شمال سوريا والعراق مثل غصن الزيتون ونبع السلام والمخلب القفل وغيرها، وكذلك الحاحه على أمريكا والدول العربية لفرض منطقة حظر جوي لتأمين السوريين الثائرين منذ 2013.
تركيا التقطت ضوءا
ومن هذا كله فلا شك لدينا أن تركيا التقطت ضوءا أخضر من أمريكا بأن أمريكا لم تعد مهتمة باستمرار نظام حكم بشار وأسرته، لأن أمريكا وإسرائيل تريد إحكام الحلقة على حزب الله في لبنان، وتجريد إيران من ورقتيها السورية واللبنانية وهي أقوى أوراقها على الاطلاق، وبالتالي فليس بعيدا أن تركيا أعطت إشارات لروسيا بأنها يجب ألا تغامر بمصالحها مع تركيا من أجل بشار الذي رفض تسوية سياسية مع تركيا والمعارضة السورية برعاية بوتين، وكان على روسيا الاستجابة للإشارة التركية ليس فقط لأن تركيا أحد المصادر القليلة في العالم لأكسجين الرئة الروسية، ولكن الأهم أن روسيا لم تعد قادرة على معاندة تركيا في سوريا فالأشرف لها إرضاء تركيا.
أما إيران فالإشارة التي أخافتها فلابد أنها جاءتها من الجهة الوحيدة التي تخافها وهي أمريكا وإسرائيل، حيث جاءها التهديد بالقصف الجوي لأي تعزيزات تتحرك من لبنان أو العراق لنجدة نظام بشار، هذا بجانب إدراكها للتخلي الروسي عن بشار جعلها تدرك أنها خسرت سوريا وما عليها سوى لملمة جراحها والسعي لتقليل خسائرها في لبنان والعراق وحماية عمق إيران.
أما قوات ومليشيات وشبيحة نظام بشار فهم أصلا انهزموا أمام الثوار في 2012 ولم ينقذهم وقتها سوى إيران وامداداتها البشرية من شيعة العالم، وكلهم هزمهم الثوار في 2015 لكن سرعان ما أنقذهم التدخل الروسي بتمويل الدولة العربية “إياها”، فبالتالي من الطبيعي أن ينهزموا اليوم أمام الثورة بعدما انسحب الداعمون، لا سيما وأنهم صاروا مجرد كارتل مخدرات ينتج ويصدر نحو 80% من منتج الكبتاجون في العالم كله ويصدرونه لدول الخليج وأوروبا وأمريكا الشمالية بأكثر من 7 مليار دولار سنويا، فهل سيتركون الكبتاجون والدولارات ويصمدون بين طعن القنا وخفق البنود؟!؟!؟!.
فهل استغلت تركيا والمعارضة السورية هزيمة ايران وحزب الله كي تحرر سوريا؟؟
طبعا.. نعم.. ولكن هذه طبيعة الفرص في السياسة الدولية المعاصرة التي تشهد استضعاف المسلمين في كل بقاع الأرض، ويجب ألا ننسى أن إيران والشيعة استغلوا احتلال أمريكا للعراق وهزيمة صدام وحزب البعث العراقي من أجل الاستيلاء على الحكم وقمع أهل السنة في العراق بل دخل شيعة العراق بغداد على ظهور الدبابات الأمريكية ولا ينكر هذا الا أحمق سفيه أو جاهل مغفل.
وبينما تحرير سوريا هو محمود شرعا فإن احتلال الشيعة للعراق وظلمهم وقمعهم أهل السنة حرام شرعا.
إن ايران وبشار والعلويين في سوريا والشيعة في العراق ولبنان وغيرها استغلوا الضوء الأخضر الإسرائيلي ل بشار لإحكام الهيمنة على الحكم في سوريا وقمع 20 مليون سوري هم الشعب السوري السني لعشرات السنوات بل وسحق الشعب السوري المدني المعارض بالأسلحة الكيمائية.
وحافظ الأسد نفسه هو عميل لبريطانيا ووصل للحكم واستمر فيه عبر هذه العمالة.
إن إيران استغلت الضوء الأخضر من أوباما لها للتمدد في المنطقة العربية كلها ومقابل ذلك أبرم معها الاتفاق النووي 2016 والذي الغاه ترامب عندما وصل للحكم 2018.
فهل أهل السنة وحدهم حرام عليهم انتهاز الفرص الدولية؟!؟!؟
وللحديث بقية ان شاء الله