تقديم مجموعة السبع 50مليار دولار لأوكرانيا من أموال روسيا المجمدة بين التأييد والمعارضة
مركز أمد للدراسات السياسية القي الضوء قرار مجموعة الدول الصناعية السبع منح أوكرانيا مبلغ 50مليار دولار أغلبها من الأموال الروسية المصادرة مما اثار جدلا كبيرا حول مدي موافقة هذا القرار للقانون الدولي واثار كذلك تساؤلات عن موقف روسيا من هذا القرار .
وأوضح أمد في دراسة مصغرة لها أن مجموعة الدول الصناعية السبع الكبري منتدى اقتصادي غير رسمي نشأ عام 1975، وعُقدت القمة الأولى للمنتدى عام 1975، عندما اجتمع قادة 6 دول هي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا الغربية وإيطاليا واليابان، “لتبادل الأفكار والحلول المحتملة” لأزمة الاقتصاد العالمي، وفي العام التالي انضمت كندا لهذه المجموعة، وفي عام 1977، انضم رئيس المفوضية الأوروبية إلى المناقشات.
وبدءًا من عام 1994، انضمت روسيا وأصبحت المجموعة تُعرف باسم مجموعة الثمانية (G8)، وفي يوليو/تموز 2006 استضافت مدينة سان بطرسبورغ الروسية القمة 32 للمجموعة، وفي عام 2014، تم تعليق عضوية روسيا في المجموعة بسبب ضمها شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
وعلى الرغم من أن المجموعة لا تتفق على قرارات ملزمة، فإن مواقفها المشتركة لها وزن سياسي كبير، لا سيما أن مؤتمرات قمة المجموعة تكون مصدرًا للعديد من المبادرات والاتفاقات متعددة الأطراف ذات الصلة بالاقتصاد العالمي، والسياسة الخارجية والأمنية، وقضيا التنمية، والهجرة، وتغير المناخ.
توظيف أموال روسيا لإعادة إعمار أوكرانيا
في قمة المجموعة التي شهدتها العاصمة الإيطالية روما، وبدأت الخميس 13 يونيو 2024، كان من أهم القرارات التي اعتمدتها القمة، منح أوكرانيا 50 مليار يورو من فوائد الأصول الروسية المجمدة بسبب العدوان الروسي على أوكرانيا في فبراير 2022.
وقررت القمة أن تبدأ عملية ضخ هذه الأموال لأوكرانيا بحلول نهاية العام 2024، بحيث يتم استخدامها في تعزيز قدراتها العسكرية ضد روسيا، وتمويل إعادة إعمار البنية التحتية وتمويل موازنة الدولة.
وأشارت تفاصيل الاتفاق إلى أنه من المقرر أن تُقدم دول المجموعة قروضاً لأوكرانيا، يتم سدادها باستخدام الأرباح المحققة من الأموال الروسية المجمدة، والموجود أغلبها في أوروبا، وبموجب الآليات التي تم التوقيع عليها في إيطاليا، ستقدم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمشاركين الآخرين قرضًا لأوكرانيا، وستتم هيكلة القروض بشكل مختلف على أساس الإجراءات الداخلية لكل بلد مشارك، وسيتحمّل كل مقرض مخاطر القروض التي يقدمها، إذا حققت الأصول المجمدة أرباحًا أقل من المتوقع.
وستتم تسوية التفاصيل الفنية النهائية بعد قمة روما، حيث أكد المشاركون إنّ هذه الخطوة تبعث برسالة إلى روسيا مفادها أنهم على استعداد للوقوف إلى جانب أوكرانيا على المدى الطويل، حتى لا تظهر أي علامات على تراجع الدعم الأوروبي لها، حيث تُقدر عائدات الأصول المجمدة بما يتراوح بين 3 و5 مليارات يورو سنويًا.
وقد وافق الاتحاد الأوروبي من قبل على تزويد أوكرانيا بالأرباح مرتين في العام، لكن الجهود التي قادتها الولايات المتحدة والتي تم تبنيها تقدم الدعم في المقام الأول، وفي نفس الوقت تحصن المساعدات ضد التحولات السياسية عبر جانبي المحيط الأطلسي.
ويتوقف سداد القرض على بقاء الأصول مجمدة لفترة كافية حتى تتمكن أرباحها المتوقعة من سداد كامل قيمة المبلغ المقدم لأوكرانيا، وأكد زعماء مجموعة السبع أن الأصول ستظل مجمدة حتى تُوافق روسيا على دفع تكاليف إعادة إعمار أوكرانيا.
الأموال الروسية والمشروعية القانونية
وبحسب الدراسة ومع مع هذا الإعلان، ثار جدل سياسي وقانوني حول تداعيات هذا القرار، ومدى مشروعيته من الناحية القانونية الدولية، بجانب المقارنات التي تتم بين السياسات الأوروبية والأمريكية تجاه روسيا الاتحادية بسبب عدوانها على أوكرانيا، وما تقوم به نفس الدول تجاه الكيان الصهيوني في ظل عدوانه على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فالمؤيدون لقرار منح أوكرانيا فوائد الأصول الروسية، يرون أن تجميد الأصول الروسية كان عقوبة قانونية رسمية، بسبب حربها على أوكرانيا، وأن استخدام هذه الأموال لمساعدة أوكرانيا هو بمثابة تعويض عن الأضرار التي لحقت بها، والعقوبات تسمح بتحويل الأموال المجمدة لأغراض محددة، مثل المساعدة الإنسانية أو إعادة الإعمار، وهناك العديد من السوابق التاريخية التي تمت في هذا السياق مثل يوغوسلافيا والعراق.
ويرى أنصار هذا الفريق، أن الأموال المجمدة هي ملكية عامة حيث أنها مملوكة للدولة الروسية، وليست ملكية خاصة، وبالتالي فإن استخدامها لا يُعد مصادرة للأموال الفردية، بل عقوبة دولية وسداد للتعويضات التي يجب أن تدفعها روسيا نتيجة الأضرار التي ألحقتها بأوكرانيا والبنية التحتية فيها، والتي تحتاج وفق بعض التقديرات إلى 300 مليار دولار لإعادة الإعمار.
في مقابل هذا الفريق، ذهب فريق آخر إلى رفض قرار مجموعة الدول الصناعية السبع، واعتبروه سرقة للأموال الروسية وانتهاكا للقانون الدولي، وأن مصادرة الأصول دون حكم قضائي دولي تُمثل سابقة خطيرة من شأنها أن تُقوض حقوق الملكية، وتفتح الباب لسوء الاستخدام كما حدث من قبل مع احتياطيات الدولة الأفغانية في الولايات المتحدة، وقامت الإدارة الأمريكية بوضع اليد عليها، ويزيد الأمر خطورة مع عدم وضوح الأساس القانوني لاستخدام الأموال المجمدة دون موافقة روسية، في ظل عدم وجود قرار من مجلس الأمن الدولي.
هذا بجانب أن مثل هذا القرار قد يًؤدي إلى زعزعة الاستقرار المالي العالمي وتقويض الثقة بالنظام المالي الدولي، ويُشجع على مصادرة الأموال في المستقبل لأغراض سياسية، من ناحية، ويفتح المجال أمام روسيا للقيام بقرارات مضادة قد تستهدف الأرصدة الغربية في البنوك الروسية.
كما يرى الرافضون للقرار، أن السوابق التاريخية التي تتم الإشارة إليها غير دقيقة، لأن لكل حالة خصوصيتها، ففي الحالة العراقية بعد الغزو العراقي لدولة الكويت، تم تجميد أصول عراقية في عدد من الدول، واستخدمت بعض من هذه الأصول للمساهمة في تعويضات برنامج “النفط مقابل الغذاء” الذي أطلقته الأمم المتحدة، الذي سمح للعراق ببيع النفط مقابل الحصول على مساعدات إنسانية.
وتم استخدام بعض الأصول المجمدة لهذا الغرض تحت مظلة أممية، كما أن الأصول الليبية التي تم تجميدها بعد سقوط نظام معمر القذافي في 2011، تم الإفراج عنها لدعم الحكومة الليبية الجديدة في جهود إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية.
هذا بجانب أن اتفاقيات جنيف وفقا للدراسة تنص على حماية ممتلكات الدولة في أثناء النزاعات المسلحة، وقد يتم تفسير استخدام الأصول المجمدة كخرق لهذه الاتفاقيات، كما قد تتطلب بعض الأصول المجمدة قرارات محددة من مجلس الأمن للإفراج عنها أو استخدامها لأغراض معينة، ويمكن للكيانات المتضررة سواء كانت الحكومة الروسية أو الشركات الروسية رفع دعاوى قضائية للطعن في استخدام الأصول المجمدة، والمطالبة بتعويضات حال نجاحها في كسب هذه الدعاوى، وإن كان الأمر سيرتبط في نهاية المطاف بقرارات رسمية ذات إجراءات تنفيذية من مجلس الأمن الدولي، وهو ما قد يصطدم بالفيتو الأمريكي.
لقد سبق وحذرت روسيا الدول الغربية من “رد قاس” إذا سُرقت أصولها، حيث أعلنت الحكومة الروسية في الثالث عشر من فبراير 2024، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية “ماريا زاخاروفا” أن مثل هذه الإجراءات “سرقة، إنها استيلاء على شيء لا يخصك”، وحذرت من أن رد موسكو سيكون “قاسيا للغاية”، لأن روسيا تشعر أنها تتعامل في الواقع مع لصوص.
وأضافت “نظرا لأن بلادنا صنفت هذا الأمر سرقة فإن الموقف سيكون تجاه لصوص، ليس كمتلاعبين سياسيين، وليس كفنيين بالغوا في تقديرهم، وإنما لصوص، وإنه إذا تم الاستيلاء على ممتلكاتها فإنها ستصادر هي الأخرى أصولا أميركية وأوروبية وغيرها، ولوّحت موسكو فعليًا بإمكانية مصادرتها أصولا لدول غربية بقيمة 288 مليار دولار إذا أقدمت هذه الدول على مصادرة أصولها لاستخدامها في إعادة إعمار أوكرانيا.
وبين الفعل ورد الفعل، يمكن القول إن المعيار الحاكم ليس القانون الدولي ونصوص المعاهدات والاتفاقيات الدولية، لكنها الاعتبارات السياسية والاقتصادية التي يتبناها الغرب لاستهداف قدرات الدولة الروسية، جراء عدوانها على أوكرانيا، في الوقت الذي قرر فيه مجلس النواب الأمريكي مساعدات قيمتها 27 مليار دولار لدعم إسرائيل في عدوانها على غزة، رغم القرارات الأممية التي تصنف ما تقوم به إسرائيل على أنه إبادة جماعية تستحق العقاب وليس الدعم والمساندة