حاتم سلامة يكتب: أساتذة الجامعة أين إنجازكم؟

الأستاذ الجامعي يعني العلم والثقافة والبحث والإبداع، لكننا في أروقة الجامعات نجد كثيرا من الأساتذة من توقف عطاؤهم الفكري مع نيل الدكتوراه، وحينما قدر له تدريس الطلبة في المدرجات، يسارع ليستل بعض الصفحات من رسالته، ليجعل منها كتابا يدرسه للطلاب، ويظل على هذا الحال سنينا طويلة، دون أن يدفعه العزم للجديد والمفيد في عالم البحث.

كان يدرس لنا أساتذة كبار في السن، ولم يكن لأحدهم إلا كتاب واحد أو كتابين، وأنا لا أعرف أين يذهب عمر هؤلاء الناس وفي أي شيء يقضون أوقاتهم، إن لم تكن في سبيل العلم والبحث.

بل أذكر دكتورًا من كلية اللغة العربية، قد انتدب إلينا في قسم الدعوة لتدريس مادة الأدب، ظللنا عاما كاملا مع الرجل، يسير بنا يمينا ويسارا، معتمدا على بعض الخواطر التي كنا كثيرًا ما نفقد التركيز معه فيها، هكذا مجرد حوارات وسجالات، وكلف أحد الطلبة أن يكتب وراءه ما يدور، ليعطيه في نهاية العام مذكرة صغيرة تفوق الثلاثين صفحة، يضع منها الامتحان للطلاب.!

وظللت أتساءل: أين كتب الرجل وأبحاثه وإنتاجه؟

أين إبداعه وحصيلته العلمية التي ترسخ في أذهاننا معنى احترامه وتقديره، أين علمه وجهده الذي يضعه في مكانته اللائقة؟

لا شيء.. فما كان يفعله القمة في الهراء والاستخفاف.

إن حصول بعضهم على الدكتوراه، قد نظن معها أنها البداية والانطلاقة التي يولد بعدها عالم فحل وباحث ضخم، ولكنها للأسف تكون النهاية والختام لرحلة العلم، التي يعلن معها عجزه عن العطاء الفكري والعلمي والبحثي.

بل المثير في الأمر أن يبلغ أحدهم درجة العمادة وهو مفلس علميا، فقير بحثيا، يئن منه ذلك الكرسي الذي جلس عليه والمنصب الذي تقلد وظائفه.

لقد كان شيخنا الدكتور النبوي شعلان، يقص علي أنه قضى حياته ووقته للكتب ووهب أيامه للقراءة، حقق أمهات الكتب التي حفرت اسمه في سجل الكبار، بينما كان كثير من أقرانه يلهثون وراء المناصب ويداهنون ويتملقون سعيا للدرجات الوظيفية، إلى أن قال: من الذي بقي الآن؟ العلم أم الوظيفة والمناصب؟

وفعلا من الذي بقي وظل اسمه يتردد في ميادين العلم؟ لقد انطفأ ذكر الآخرين، بينما ظل اسم النبوي شعلان على يتردد على سمع الزمان.. لأنه عرف الطريق الصائب ولزم جادته.

وعلى هذا كثير من ذوي المناصب، تمتعوا بها أيامًا ثم زالت فكأنها لا كانت ولا كانوا.. لكن الكتاب القيم الذي صنعته بجهدك ويحمل غلافه اسمك، هو الجائزة الكبرى للبقاء في سجل الخالدين.

وكم أدهش حينما أرى جيوشًا من الأكاديميين، الذين قضوا أعمارهم بين أروقة الجامعة، ويحملون لقب دكتور، ثم رحلوا عن الحياة وهم لا شيء، ولا يبقى من آثارهم أي شيء.

الدكتور أحمد شاهين يحمل أسفاره التي صنفها إلى اليوم من ساعة نيله للدكتوراه

وفي هذا المقام لعلي أتذكر أستاذي الدكتور أحمد شاهين الذي درس لي في كلية أصول الدين، وأنشر صورته مصحوبة مع هذا المقال وهو يحمل أسفاره التي صنفها إلى اليوم من ساعة نيله للدكتوراه، فخورا بما صنع، سعيدا بما تحمل يديه وكأنه تحمل أبناءه، لقد عهدته منذ بداياته دؤوبًا على البحث والقراءة والاطلاع والكتابة، يدرك غايته، ويعرف رسالته، ولا يتوانى في تطوير نفسه والارتقاء بقدراته، وما هاتفته مرة إلا ووجدت لديه مشروعًا علميًا بحثيًا جديدًا يفيد به طلابه وتخصصه، ومن قبل هذا يفيد به دينه ودعوته، ولعله قد فاق بهذه الهمة أنداده من المدرسين بكلية أصول الدين، التي تفخر بهذا النموذج المشرف، وحينما أتداول سيرة الجامعة وأساتذتها لا أجد إلا صراعات على المناصب وتسابق نحو الفوز بالمقاعد، ولو أنهم ركزوا اهتمامهم بالعلم وحده وتسابقوا فيه، لكان هذا أليق بهم وبمكانتهم، بل يكون هذا هو الأبقى لسيرتهم وجهودهم التي يخلدها تاريخ العلم والبحث.

حاتم سلامة

كاتب وصحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights