حاتم سلامة يكتب: العقاد لم يكن يُصلي؟!
يُعرف العقاد بأنه أعظم من دافع عن الإسلام في القرن العشرين، وكان هناك من العلماء من شهدوا له بالتميز والتفرد وعلى رأسهم الشيخ الغزالي رحمه الله الذي كان يرى الفرق كبيرا شاسعا بينه وبين طه حسين، وقال يوما: «العقاد أعظم من أمسك بالقلم في القرن العشرين.. بل كان قلمه أقوى سلاح نافح عن الإسلام بالحجة والبرهان»
بل سارع الأزهر الشريف بجلاله، إلى العقاد في بعض العقود ليتولى رئاسة تحرير مجلته.
وذات يوم مرض عباس العقاد فعاده شيخ الأزهر، العلامة الشيخ محمود شلتوت في بيته، فانتفض العقاد من سريره، تقديرًا لمقام الإمام الأكبر شيخ الأزهر، فأخذ الشيخ محمود شلتوت يقبّل يد العقاد، مما أحرج الأخير حرجًا شديدًا، وقال في خجل: «العفو يا مولانا أنت أحق بذلك».
فقال الشيخ محمود شلتوت: «إنما أقبّل اليد التي أمسكت القلم، ونافحت عن الإسلام ونبيه»
أسوق كل هذا اليوم أمام هذه الشبهة المزرية التي يرددها البعض من أنصار التعصب البغيض، وأصحاب الأفق الضيق، الذين يعشقون هدم الرموز، وتشويه العظماء، بل والحط حتى من خدماتهم للإسلام.
وإن تعجب أن يتولى كبر هؤلاء بعض المتدينين، أو المحسوبين على التيارات الدينية، ليقف أحدهم بكل جهل وكبر وافتراء ليقول لك: أنت تتكلم عن العقاد؟ أليس هذا الذي كان يقيم صالونه الأدبي وقت صلاة الجمعة؟
والهدف طبعا جلي وواضح، فهو يريد هدم القدوة في شخص العقاد، ويثبت أنه لا يصلي، أي أن كل ما كتبه عن دينه لا قناعة فيه ولا يستحق الاهتمام.
وهؤلاء الجهلة لم يميزوا بين أن يقال يوم الجمعة، وفي صلاة الجمعة وبينهما فرق كبير جدا.
ونحن هنا نبرئ الرجل من هذا الجحود الذي يحاول البعض أن يسمه به، وبتجني به عليه، فقد شاءت الأقدار أن يكون رواد صالونه من محبيه ومريديه أحياء يرزقون، وهم يسمعون هذه الشبهة تتردد، حتى شهدوا بضدها وأنكروا وجودها، وبينوا احترام الرجل لدينه وشعائره.
منذ أيام كنت أقرأ في كتاب الشاعر الكبير (العوضي الوكيل) تحت عنوان ندوات العقاد ويذكر فيها أن الصالون كان يعقد في التاسعة صباحا أو قبل العاشرة وينتهي بعد ساعتين، أن قبل صلاة الجمعة.!
وفي زمن مضى قرأت في جريدة المدينة السعودية مقالا لعبير عامر ابنة الأستاذ عامر ابن أخي الأستاذ العقاد، وهي تدافع عن جدها أمام عالم سلفي سعودي وهو ابن عقيل الظاهري الذي اتهم العقاد بذات التهمة المنكرة فقالت: «كان الصالون يعقد أسبوعيا يوم الجمعة، من العاشرة صباحا ويرفع عند صلاة الجمعة ويستأنف بعدها»
مازلت إلى اليوم محتفظا بهذه المقالة مصورة في أوراقي.
منذ أيام ساق الصديق خالد ضوي في منشور أظهره شهادات المثقفين من مرتادي صالون العقاد الذين برؤوه من هذه التهمة المعيبة، وأثبتوا عكسها، لكن المفاجأة فيما ذكره صديقنا أن من
ردد تلك الفرية وأطلقها وأشاعها وروج لها هو الكاتب اليساري (حسين أحمد أمين) مفتريا على الكاتب الكبير «محمود محمد شاكر» في حوار أجراه معه وأورده كتابه «شخصيات عرفتها» والذي صدر بعد وفاة الأستاذ محمود محمد شاكر بعقد، ورددها البعض من خصوم الأستاذ العقاد الذين لم يشهدوا صالونه، وتناسوا أن هناك قدراً من العقل في هذه القضية؛ لا بد أن نحتكم إليه؛ وأول هذه البدهيات العقلية؛ أنْ نسأل معاصري الأستاذ العقاد؛ ومَن ارتادوا صالونه؛ مِن الثقات العدول المشهود لهم بالعلم والخلق والمروءة والفضل.. أو كما ذكر صديقنا.
لكن لا غرابة إذن في أن يكون هذا الشيوعي هو المخترع لمثل هذه الشبهة، وهذا عهدنا به دوما، فلم يسلم منه كبير أو صغير، ومن الطبيعي والمقبول تلك المحاولة البغيضة لتشويه صورة العقاد، لأنه الذي دافع عن الإسلام وتراثه وهويته التي يبغضها شيوعي ماركسي منحرف التوجه والمعتقد، ولو أن شاكر على قيد الحياة وقت طباعة كتابه والتلفظ بهذا الكذب، لأنكره ورفصه، وهو الذي له في العقاد شهادات أبية منصفة تعلي قدره وتسمو بمنزلته.
كان من ضمن هذه الشهادات التي أدرجها صديقنا ضاوي
شهادة الدكتور عبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام) والعلامة الأردني ناصر الدين الأسد؛ وكانا من رواد صالون الأستاذ العقّاد؛ ثم من مرتادي ندوة الأستاذ/ شاكر بعد رحيل العقاد.
يقول الدكتور عبد اللطيف (أبو همّام) الأستاذ بكلية دار العلوم، في مقابلة تلفزيونية:
«نذهب إلى ندوته الأسبوعية يوم الجمعة في التاسعة إلّا ربعاً صباحاً، وفي الساعة الحادية عشرة وربع نخرج جميعاً، نروح نصلّي، أؤكد على هذا، لأن بعض الذين كتبوا وقالوا (وبعضهم أساتذتي للأسف في كلية دار العلوم) أن الأستاذ العقاد يعقد ندوته وقت صلاة الجمعة، أقسم بالله غير حانث، أن هذا لم يحدث إطلاقاً، لا أريد أن أقول: إن العقاد درويش وواخد بالصلاة، لكن أريد أن أقول إن هذه فرية ظالمة روَّجها الناس، وبعض الأساتذة في كلية دار العلوم يدخل إلى المدرج، ويقول هذا، وهذا لم يحدث على الإطلاق، وأنا تصديت لمثل هذه المسائل تصدي الحقيقة»
أما الدكتور الراحل ناصر الدين الأسد؛ وكان من رواد صالون الأستاذ العقّاد؛ ومن مرتادي ندوة الأستاذ شاكر بعد رحيل العقاد؛ فقد نفى في حوارٍ معه منشورٍ بجريدة (الشعب)المصرية قبل عقدٍ من الزمان؛ كل هذه الاتهامات؛ فقال:
«إنني لا أتصور كاتباً عملاقاً؛ بحجم العقّاد؛ أخلص لبحوثه الإسلامية؛ حتى صارت العمدة؛ وتلقَّفتها الناس ثقةً في صاحبها؛ إلاّ وهو من أصحاب المجاهدة بالنفس، والطاعة، والقربى إلى الله؛ وإلاّ؛ فكيف يأتيه مددُ السماء؛ وهو يُنْكِر ربَّ السماء؟! فالقول الفصل؛ هو أن الأستاذ العقّاد كان يُصَلِّي ويصوم؛ ولا ننسى أنه؛ رجلٌ محسودٌ؛ وأعداؤه أكثر من محبيه وعارفي فضله وحجمه؛ لذلك؛ دسُّوا له مثل هذه التلفيقات والتخريقات والإساءات؛ وهو منها براءٌ.»
كانت هذه شهادات صادقة أمام التجني الذي أورده حسين أمين، ومعروف عنه الترويج للترهات واختلاق الأكاذيب، وقد أثبتنا ذلك في مقال سابق في معركته مع الدكتور محمد عمارة، والرجل لا يلام على هذا، ففكره المسموم يسمح له أن يفتري الكذب، لكن العجب كل العجب، أن يتلقف هذه الشبهة أنصار الدين، وحماة الهوية، ليهيلوا التراب على جهود رجل عظيم لا يتكرر في حياتنا الإسلامية، عقلا وفكرا وصلابة في الدفاع عن الإسلام.
لماذا لا نحاسب الرجل إلا على فكره ورأيه فقط؟ لماذا نجتر في الخلاف علاقته بربه وحياته الشخصية؟
بل لماذا نبغض رجلا كان له بلاءه الحسن في نصرة الدين وحماية اللغة والتراث.
إن قومًا يفعلون هذا ينقصهم وعي كبير.
تحية للأزهر الذي عهد هذه الأيام بنشر كتب العقاد الإسلامية هدايا لمجلة الأزهر، والتي لاشك يستنكرها بعض الحمقى وهم يقفون متعجبين، كيف للأزهر أن يحيي كتب رجل لم يكن يصلي الجمعة؟!