أقلام حرة

حاتم سلامة يكتب: الكاتب الخمورجي

ماذا بك لو رأيت كاتبا في يوم من الأيام يبيح الزنا ويروج له، بحجة أنه يروي العاطفة، ويمنح السعادة للنفس، ويجدد طاقة الإنسان؟

بل ماذا بك لو رأيت كاتبا يدعو إلى السرقة زاعمًا أنها تغني الإنسان وتوفر له الرزق دون سعي وكلل وتعب؟

هذا هو بالضبط وتماما ما فعله الكاتب سلامة موسى في كتابه الجاذب للعيون والعقول (حياتنا بعد الخمسين) حينما تحدث عن أثر الخمرة في صلاح النفس والجسم معا، وأنها ضرورية لكل من جاوز الستين، “فهي توسع الشرايين في الشيخوخة، وجميع الأوروبيين يشربونها، وهم أطول أعمارا وأحسن صحة منا، ثم هي تفكك العقد التي تحدثها مشكلات الحياة لنا، كما أنها تجعلنا نستغرق في نوم عميق طول الليل، لنستيقظ في صباحه ونحن منتعشون بعد الراحة”

وهنا نقول: إن الوعي بخلفية أي كاتب شيء مهما جدا، لأنه يبصرك بحقيقة وماهية أفكاره، ويقف بك على أبعاد مراميه وغاياته، فهناك كثير من الكتاب يدسون السم في الدسم، ويغرون الناس باسم العلم والدين والأدب والفكر حتى يمرروا أفكارهم الخبيثة وأغراضهم الدنيئة التي تصادم القيم والدين والعقل والضمير.

وهؤلاء الكتاب منهم الذكي ومنهم الغبي، منهم من يغمز إلى باطله بمواربة طفيفة دون إشارة صريحة مباشرة، حتى يستقر ما يريده في وعي القارئ في وعي القارئ ويتسرب إليه.

ومنهم من يغلبه حقده وإصراره فيباشر في قوله ويعيد ويزيد، ويكثر القول والترديد بما يخل ببنية الأسلوب دون أن يشعر، بل ويكشف لك أن الكاتب صاحب غرض صريح معلن.

وهو ما فعله سلامة موسى حينما أخذ يكرر الحديث عن الخمر وكأنها الأمل لكل من بلغ الشيخوخة، أو الإكسير الذي سيهب الشيوخ طول العمر وكثرة الأيام، كرر الحديث عنها لأكثر من تسع مرات وفي صفحات مختلفة.

لقد خدع الناس وجدد الأمل لليائسين بالمحرم الممنوع.

منذ بضعة شهور طلع علينا كاتب ممن كنا نظن بهم الخير، لكنه أثبت أن بعض العقول قد تصيبها لوثة وشطط من الأفكار التي يقف المرء أمامها حائرا منكرا، وقد أبى إلا أن يخرج هذا الشطط مسطورا للقراء، حينما زعم أن هذا الكاتب الذي يسمى سلامة موسى من أصحاب الفكر الذي بيننا وبينهم اختلاف في وجهات النظر، لكننا لابد في النهاية أن نقرر أننا أمام مفكر كبير صاحب رؤية خاصة جديرة بالمناقشة والأخذ والرد”

وكان يبقى عليك أن تقول: جديرة بالإقناع أيضًا، لأنك صورته بالضحية التي تتعرض للعسف والجور من بعض المتشددين، وهي الصفة التي تجر التعاطف معه ومع ما يقول.

وسؤال واحد نسأله له لهذا الكاتب، ونريد منه الإجابة عليه: هل أنت بهذا الإطراء والمدح والإكبار تقرر ما كتبه الرجل من زيوف ومنكرات، ودعاوى خبيثة شيطانية تحاد الله ورسوله؟

ربما يكون كما ذكرت أنه من دعاة النهضة والتنوير، ولكن أين أنت مما دعا إليه مما يخالف دينك وعقيدتك؟ ألم تحملك الغيرة على معتقدك أن ترفض أو تلمح لبغضك ما كتب، حتى يتبين القارئ أن فيما كتب صاحبك، سلب وإيجاب، معقول ولا معقول، إيمان وكفر؟ إن فعلك للأسف قد روج لكل أفكاره دون بيان وتمحيص فجافيت الإنصاف من حيث اعتقدت أنك من المنصفين.

وهو النوع من المفكرين الذين يتعاطف معهم كثير من الجهلاء ظنًا منهم أنه عقلية يجب الانتصار لها أمام دعاة الرجعية والظلام.

والحق أن الرجل لم يكن بهذا المنحى، فقد كان يناصر الشطط ويدعو للمحرمات، ولا يحترم عقيدة المصريين التي تخالف عقيدته، ومن ثم لا يجب الالتفات لكل ما يقول لأنه يفقد معنى الانتماء والتصديق لمنطوق الإسلام.

بقي أن نعلم أن العلم الحديث بعلمائه ومؤتمراته وأبحاثه قد خالفت هذا الخطل الذي سطره موسى في كتابه، فندد الجميع بما تجره الخمر على المجتمع الإنسان من مخاطر صحية ونفسية، ولم تكن هذه المؤتمرات والتنديديات في بلاد الإسلام وعلى أيدي علماء مسلمين، وإنما قام جلها في فرنسا وانجلترا وأمريكا وبلجيكا.. ويبقى التساؤل: هل كان سلامة موسى يجهل مثل هذه الأقوال التي نقطت بها هذه المؤتمرات العلمية الكبيرة، وفي بلدان الغرب التي يواليها ويمالئها؟ أبدا لقد كان يدرك ويعقل، ولكن الرجل يريد للمسلمين أن يمتهنوا الإسلام ويخالفوا أمره، فهل مثل هذا يمكن أن يندرج تحت عنوان من نأخذ منهم ونرد؟ وإذا كان هناك ما يمكن أن نأخذه منه، فلماذا لا نوضح للناس أن لديه الكثير مما يجب أن نرفضه ونحذر منه.

حاتم سلامة

كاتب وصحفي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى