سير وشخصيات

“خالد بن الوليد”.. سيفُ اللهِ المسلول

1– في 18 رمضان 21هـ… الموافق 20 أغسطس 642م: تُوُفيَ سيفُ الله المسلول (خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي)

(30 ق.هـ – 21 هـ / 592 – 642 م)

2– ينتمي خالد إلى قبيلة “بني مخزوم” أكبر قبائل قريش، فهي القبيلة صاحبة الشرف العظيم، والمكانة الكبيرة، في الجاهلية، وكانت على قَدرٍ كبير من الجاهِ والثراء، وبينهم وبين قريش مصاهرة متبادلة، ومِن رجالها الذين سبقوا، وأسلموا، وبايعوا النبي (صلى الله عليه وسلم) منذ اليوم الأول: “أبو سَلَمَة بن عبد الأسد”، وكان في طليعة المهاجرين إلى الحبشة، و”الأرقم بن أبي الأرقم” أول كاتب للقرآن، والفتى الذي كانت داره أول مسجد للإسلام، وأول مدرسة للدعوة الإسلامية.

3– لخالد ( 8 ) من الأخوة والأخوات:

– الذكور (6): “العاص” و”أبو قيس” و”عبد شمس” و”عمارة” و”هشام” و”الوليد”،

– الإناث (2): “فاطمة” و”فاضنة”.

4– أبوه هو رأس الكُفر: “الوليد بن المغيرة المخزومي”، أحد أثرياء جزيرة العرب الكبار.

5– أمه: عصماء بنت الحارث الهلالية (رضي الله عنها) ويقال لها: لبابة الكبرى، وهي أخت السيّدة “ميمونة بنت الحارث” أم المؤمنين (رضي اللهُ عنها) وأخت لأم الفضل بن العباس زوجة العباس بن عبدالمطلب (رضي الله عنه) وأم أبنائه..

أسلمتْ وحسُن إسلامها، وانتقلت إلى المدينة، واستقرت بها، ورغم رحيل خالد إلى العراق ثم الشام واستقراره بها، إلا أنها بقيتْ في المدينة، وكان خالد يتردد عليها في المدينة من وقتٍ لآخر، وحينما بلغ أمَّ خالد وفاتُه وهي في المدينة أيامَ عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) بكتْه ورَثَتْه بأبياتٍ من الشعر، فسمعها عمر بن الخطاب وأثنى على “خالد” وصبّرها.. وظلّت حزينة، تبكي على ابنها خالد حتى ماتت.

6– كان “خالد”، كغيره من أبناء “قريش”، معاديًا للإسلام ناقمًا على النبي (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين الذين آمنوا به وناصروه، بل كان شديد العداوة لهم، شديد التحامل عليهم، حريصًا على محاربة الإسلام والمسلمين،

7– لم يحارب في غزوة بدر، لأنه كان في بلاد الشام وقت وقوع الغزوة الأولى بين المسلمين ومشركي قريش.

8– أسلمَ “خالد بن الوليد” في (صفر 8 هـ/ يونيو 629م)؛ أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين، على يد أخيه “الوليد بن الوليد”، وقد سُرَّ النبي (صلى الله عليه وسلم) بإسلام خالد، وقال له حينما أقبل عليه: (الحمد لله الذي هداك، قد كنتُ أرى لك عقلًا رجوتُ ألا يُسلِمكَ إلا إلى خير).

وفرحَ المسلمون بانضمام خالد إليهم، فقد أعزّه الله بالإسلام كما أعز الإسلام به، وتحوّلَ عداء خالد للإسلام والمسلمين إلى حُبٍّ وتراحم، وانقلبت موالاته للكافرين إلى عداء وكراهية متأججة، وجولات متلاحقة من الصراع والقتال.

9– كان “خالد بن الوليد” صلدا، وعندما دخلَ الإسلام أراد أن يكسر الحاجز النفسي، فكانت أول الآيات التي حفظها، هي الآيات التي نزلت في والده: الوليد بن المغيرة، من سورة المدثّر:

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا، وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا. وَبَنِينَ شُهُودًا. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا. سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا. إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ. سَأُصْلِيهِ سَقَرَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ. لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ. لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ. عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)

10– خالد بن الوليد، هو أفضل القادة العسكريين في تاريخ البشرية، وصاحب العديد من الفتوحات والانتصارات على أعتى إمبراطوريتين في ذلك الوقت: “الفُرس” و”الروم”، وقد قضى حياته كلها بين كَرٍّ وفَرٍّ، وجهادٍ في سبيل إعلاء كلمة الحق ونُصرة الدين، وهو أحد قادة الجيوش القلائل في التاريخ الذين لم يُهزَمُوا في أي معركةٍ طيلة حياتهم، ولم يُهزَم في أكثر من مائة معركة أمام قوات مُتفوِّقة عدديًا من الإمبراطورية الرومية البيزنطية، والإمبراطورية الساسانية الفارسية وحلفائهم، بالإضافة إلى حروب الرِّدّة والعديد من القبائل العربية الأخرى.

11– تقول كُتُب السيرة: حينما حضرت خالد بن الوليد الوفاة (50 عاما) انسابت الدموع من عينيه حارَّة حزينة ضارعة، ولم تكن دموعه رهبة من الموت؛ فلطالما واجه الموت بحدِّ سيفه في المعارك، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة؛ فقد عَـزَّ عليه أن يموت على فراشه، وقد جاءت كلماته الأخيرة تُعَبِّر عن ذلك الحزن والأسى في تأثُّرٍ شديد: (لقد حضرتُ كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبرٍ إلَّا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح، والآن أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء)

12– يأتي الخبر إلى الفاروق عمر (رضي الله عنه وأرضاه)، وهو الذي يعرف قيمة خالد، فيظل واقفــًا يرتعش ويرتعد، ويقول: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون.. واللهِ يا أبا سليمان، لقد عشتَ سعيدًا، ومتَّ حميدًا، وما عند الله خيرٌ، ثم يبكي “عمر” رضي الله عنه ويقول:

مَضوا وخَلَفوني وحدي،

مَضوا وخَلَفوني وحدي..)

فترتج المدينةُ بالبكاء والنحيب لبكاء عمر، ومصابهم بـخالد.. ويأتي رجلٌ إلى عمر، ويقول: يا أمير المؤمنين.. إن نساءنا يبكين، ويندبن خالدًا، فيرد عليه عمر: (ثكلتك أمّك..عَلَى مثل أبي سليمان فلتبكِ البواكي، لكن لا صراخ ولا قلقلة….

على مثل خالد فلتبكِ البواكي..

على مثل خالد فلتبكِ البواكي)

13– أين مات خالد بن الوليد؟

يوجد خلاف على مكان وفاة خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، فقد ذكرَ ابن حجر العسقلاني في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة) قولين في وفاته: الأول بأنه تُوُفيَ بـ حِمص السورية، والآخر بأن وفاته كانت في المدينة، وأن عمر بن الخطاب حضر جنازته،

بينما قال المؤرّخ أبو زرعة الدمشقي في تاريخه إن وفاته في المدينة،

أما “ابن عساكر” فنقلَ في كتابه “تاريخ دمشق الكبير” عدّة روايات عن وفاته بحمص، واستأنس بقول أبي زرعة الدمشقي في وفاته بالمدينة، ونقلَ ابن كثير في “البداية والنهاية” قَول الواقدي ومحمد بن سعد بأنه مات بقرية تبعد نحو ميل عن حِمص، وكذلك نقلَ الرأي الآخر في وفاته بالمدينة، ولكنه رجّحَ موته بحِمص، كذلك أيّدَ الذهبي في كتابه “سِيَر أعلام النبلاء” رأي ابن كثير بترجيح وفاته بحِمص… ولخالد بن الوليد جامع كبير في حِمص، يزعم البعض أن قبره في الجامع..

والواضح أن مؤرّخي الشام يميلون عاطفيا لموت خالد بن الوليد بمدينة حِمص السورية.. حُبًّا في خالد.

(قد يكون مدفنه في حِمص، مثل مدفن الحُسَين في مصر، للتبرّك فقط،.. فالحسين لم يمت في مصر، ولم يُدفن فيها.. ولكنها خزعبلات القبوريين).. الله أعلم.

وإذا كان بعض المؤرّخين الكبار يرون أنه مات بمدينة حِمص، مثل: الواقدي والطبري والعسقلاني وابن الأثير، فإن مجموعة أخرى مثل: ياقوت الحموي، وابن بطوطة، وابن فضل الله العمري، صاحب (مسالك الأبصار) والمنجّد، يؤكدون أنه مات بالمدينة.. وهذا ما ترتاح إليه النفس، فبعد أن عزلَ الفاروق عمرُ خالدًا، عاد خالد للمدينة، وهو ما تؤكّده الرواية التالية مع ابن عباس الكفيف الذي لم يبرح المدينة: (زار عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، خالد بن الوليد في مرض الموت، وسأله ابن عباس: أتدري يا خالد، لماذا لم تمت شهيدًا؟.. فقال خـالد: لا أدري ..فقال له ابن عباس: لأنك سيفُ الله، وسيفُ اللهِ لا يُكسَر ولا يُقتَل)

واللهُ أعلم.

————-

المصادر:

1- السيرة النبوية (ابن كثير)

2- دلائل النبوّة (البيهقي)

3- تاريخ الرُّسُل والملوك (الطبري)

4- معجم قبائل العرب (عمر بن رضا كحّالة الدمشقي)

5- السيرة النبوية (ابن هشام)

6- تاريخ دمشق (ابن عساكر)

7- تاريخ المدينة (عمر بن شبّة النميري)

8- الطبقات الكبرى (ابن سعد)

9- فضائل الصحابة – مناقب خالد بن الوليد (البخاري)

10- البداية والنهاية (ابن كثير)

11- الإصابة في تمييز الصحابة (ابن حجر العسقلاني)

12- وفيّات الأعيان (ابن خلكان)

13- سِيَر أعلام النبلاء (الذهبي)

14- وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى (نور الدين علي بن عبد الله السمهودي)

———–

يسري الخطيب

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى